الكسل، ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق".وقد ذكرتُ الكلام في التصوف ووسّعتُ القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إِبليس.
والثامن: أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلاماً أطال به لا طائل فيه، تارةً لا يكون في ذلك الكلام معنى صحيح كجمهورِ ما ذَكر عن الحارث المحاسبي وأحمد بن عاصم، وتارة يكون ذلك الكلام غير اللائق بالكتاب، وهذا خلل في صناعة التصنيف، وإنما ينبغي للمصنف أن ينتقي فيتوقّى ولا يكون كحاطب ليل فالنِّطاف العِذاب تروي لا البحر.
والتاسع: أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها، فربما سمعها المبتدئ القليل العِلم فظنها حسنةً فاحتذاها، مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فَطمّاها، فلم ينطق حملاً لنفسه على التوكل بزعمه، وسكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إِعانة على نفسه وذلك لا يحل، ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال، كما لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوكل بإِخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلاً واستكتامه، واستكفائه ذلك الأمر واستتار في الغار، وقوله لسُراقة: "أخفِ عنا".
فالتوكل الممدوح لا يُنال بفعل محذور، وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، وبيان ذلك أن الله عز وجل قد خلق للآدمي آلة يدافع بها عن نفسه الضرر وآلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعياً للتوكل كان جهلاً بالتوكل وردّاً لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله سبحانه وليس من ضرورته قطع الأسباب، ولو أن إنساناً جاع فلم يأكل، أو احتاج فلم يسأل، أو عري فلم يلبس، فمات دخل النار، لأنه قد دُلّ على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا محمد ابن ... قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرّقي قال: حدثنا مُطَرِف بن مازن عن الثوري قال: "من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار".
قلت: ولا التفات إلى أبي حمزة في حكايته "فجاء أسد فأخرجني"، فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقاً، وقد يكون لطفاً من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا يُنكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما يُنكر فعلُه الذي هو كسبه، وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده وقد أُمر بحفظها.
وكذلك روى عن الشبلي أنه كان إذا لبس ثوباً خرقه وكان يحرق ... والخبزَ والأطعمةَ