التي ينتفع بها الناسُ بالنار، فلما سئل عن هذا احتج بقوله:{فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} وهذا في غاية القبح لأن سليمان عليه السلام نبي معصوم فلم يفعل إلا ما يجوز له، وقد قيل في التفسير أنه مسح على نواصيها وسُوقها وقال: أنت في سبيل الله، وإن قلنا أنه عَقرها فقد أطعمها الناس، وأكْل لحم الخيل جائز، فأما هذا الفعل الذي حكاه عن الشبلي فلا يجوز في شريعتنا فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال وحكى عنه لما مات ولده حلق لحيته وقال: قد جزت أمّه شعرها على مفقود أفلا أحلق أنا لحيتي على موجود؟
إلى غير ذلك من الأشياء السخيفة الممنوعِ منها شرعاً.
والعاشر: أنه خلط في ترتيب القوم فقدّم من ينبغي أن يؤخر وآخر من ينبغي أن يقدّم، فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل، ولا على ترتيب المواليد، ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط، خصوصاً في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه ومن طالع كتاب هذا الرجل ممن له أُنس بالنقل انكشف له ما أشرت إليه.
وأما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء:
أحدها: أنه لم يذكر سيد الزهاد وأمام الكل وقدوة الخلق وهو نبينا. صلى الله عليه وسلم فانه المتَّبَعُ طريقه المقتدي بحاله.
والثاني: أنه ترك ذكر خلق كثير قد نُقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير، ولا يجوز أن يُحمل ذلك منه على أنه قصد المشتهرين بالذكر دون غيرهم، فإِنه قد ذكر خلقاً لم يُعرفوا بالزهد ولم ينقل عنهم شيء وربما ذكر الرجل فأسند عنه أبيات شعرٍ فحسب، ففعله يدل على أنه أراد الاستقصاء، وتقصيره في ذلك ظاهر.
والثالث: أنه لم يذكر من عوابد النساء إلا عدداً قليلاً، ومعلوم أن ذكر العابدات مع قصور الأنوثية، يوثِب المقصّر من الذكور، فقد كان سفيان الثوري ينتفع برابعة ويتأدب بكلامها.
وقد حداني جِدّك أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين وأحوالهم أن أجمع لك كتاباً يغنيك عنه ويحصّل لك المقصود منه، ويزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، وجماعة وُلدوا بعد وفاته، وينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكاياتٍ قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه.