إسرائيل لمّا كانوا على الصواب كانت الأمراء، تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا ذلك العلْم وأتوا به إلى الأمراء فاستغنت به عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطوا وانتكسوا ولو كان علماؤنا يصونون علمهم لم تزل الأمراء تهابهم. قال الزهري كأنك إياي تريد وبي تعرّض قال: هو ما تسمع.
وعن الذيال بن عبّاد قال: كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري: عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحالٍ ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك: أصبحت شيخا كبيراً وقد أثقلتك نِعمُ الله عليك فيما اصحّ من بدنك وأطال من عمرك وعملت حُجَج الله تعالى مما علّمك من كتابه، وفقّهك فيه من دينه، وفهّمك من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فرمى بك في كلّ نعمة أنعمها عليك وكل حُجّةَ يُحَتّج بها عليك الغرض الأقصى ابتلى في ذلك شكرك وأبدا فيه فضله عليك وقد قال عز وجل:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:٧] فانظر أي رجل تكون إذا وقفتَ بين يدي الله عز وجل فسألك عن نِعَمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قَضيتها فلا تحسبّن الله عز وجل راضياً منك بالتعذير، ولا قابلاً منك التقصير هيهات ليس ذاك اخَذَ على العلماء في كتابه إذ قال:{لَتُبَينُّنَّه للناس ولا تكتُمونه}[آل عمران: ١٨٧] انك تقول انك جَدِلٌ ماهر عالم قد جادلت الناسَ فَجدلتهم وخاصمتَهم فخصمتهم إدلالاً منك بفَهمك واقتداراً منك برأيك فأين تذهب عن قول الله عز وجل: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[النساء: ١٠٩] اعلم أن أدنى ما ارتكبت واعظم ما احتقبت أن آنستَ الظالم وسهّلت له طريق الغي بدنوك حين أُدنيت وإجابتك حين دُعيت فما أخلقك أن ينوَّه غداً باسمك مع الجَرَمة، وان تُسأل عما أردت بإغضائك عن ظُلم الظَلَّمَة، انك أخذت ما ليسَ لمن أعطاك، جعلوك قطباً تدور عليه رَحى باطِلهم وجسْراً يَعبُرون بك إلى بلائهم وسلَّمًا إلى ضلالتهم يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم فما ايسرَ ما عَمروا لكَ في جنْب ما خرَّبوا عليك، وما اقَّل ما أعطوك في قدْر ما اخذوا منك، فانظر لنفسك فانه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حسابا رجل مسؤول وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً وانظر كيف إعظامُك أمر من جعلك بدينهِ في الناس مبجلا، وكيْف صيانتُك لكسْوةِ من جعلك بكسوته مستترا، وكيف قربك وبُعدك ممن أمرك أن تكون منه قريباً، ما لك لا تتنبه من نعستك. وتستقيل من عثرتك فتقول: