ترعى. فشدا خماريهما ثم أقبلا إليه فقالا: السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله. قالا: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير قوم. قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة ما اسمك؟ قال: عبد الله. قالا: قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله ما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويساً القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كانت بك فأنت هو. فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا: نشهد أنك أويس القرني. فاستغفر لنا يغفر الله لك. قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم ولكنه في البر والبحر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرفكما أمري فمن أنتما؟ قال علي عليه السلام: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي بن أبي طالب فاستوى أويس قائماً وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب، فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً. قالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خيراً. فقال له عمر: مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك. قال ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم، فعرفني ما أصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزاراً من صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان؟ متى تراني أبليهما؟ إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم متى تراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول فأخفف رحمك الله.
فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، يا ليتها كانت عاقراً لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا. فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم بإبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز وجل.
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية منهم أويس القرني، ظن أهله أنه مجنون فبنوا له بيتاً على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السنة والسنون لا يرون له وجهاً، وكان طعامه مما يلتقط من النوى فإذا أمسى باعه لإفطاره فإن أصاب حشفة حبسها لإفطاره.