للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحوادث، وقال لهم: خيراً إنْ شاء اللهُ، ثم قُدِّم له إفطارُه وكأنْ لم يحدثْ شيءٌ، فإذا إفطارهٌ كِسْرةٌ من الخبزِ اليابسِ، وزيتٌ وملحٌ، وكأسٌ من الماءِ، فسمَّى وأكل، ثمَّ حمدَ اللهَ، وقال: بُرٌّ منْ بُرِّ العراق، وزيتٌ من الشامِ، مع ماءِ دجلة، وملح مرو، إنها لنعمٌ جليلةٌ. ثم لبس ثوبَهَ، وأخذ عصاهُ، ثم دلف على الجموعِ، فلمّا رآه الناسُ اشرأبَّتْ إليه أعناقُهم، وطفحتْ غليه عيونُهم، وأنصتوا لما يقولُ، فارتحل كلمة صُلْحٍ، ثمَّ طلب من الناسِ التفرُّق، فذهب كلُّ واحداً منهمْ لا يلوي على شيءٍ، وهدأت الثائرةُ، وماتتِ الفتنةُ.

قدْ يدركُ الشرف الفتى ورداؤُهُ ... خَلَقٌ وجيْبُ قميصِه مَرْقوعُ

- في القصةِ دروسٌ، منها:

أنَّ العظمة ليستْ بالأبهةِ والمظهرِ، وأنَّ قلَّة الشيءِ ليستْ دليلاً على الشقاءِ، وكذلك السعادةُ ليستْ بكثرةِ الأشياءِ والترفُّهِ: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ {١٥} وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} .

وأنَّ المواهب والصفاتِ الساميةِ هي قيمةُ الإنسان، لا ثوْبُهُ ولا نعلُهُ ولا قَصْرُهُ ولا دارُهُ، إنها وزنهُ في علمهِ وكرمهِ وحلمهِ وعقلهِ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . وعلاقةُ هذا بموضوعِنا أن السعادة ليستْ في الثراءِ الفاحشِ، ولا في القصْرِ المنيفِ، ولا في الذهبِ والفضَّةِ، ولكنَّ السعادةَ في القلبِ بإيمانهِ، برضاهُ، بأنسهِ، بإشراقهِ: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} .

<<  <   >  >>