إن الوعظَ المحترقَ تَصِلُ كلماتُه إلى شِغافِ القلوبِ، وتغوصُ في أعماقِ الرُّوحِ لأنه يعيشُ الألمَ والمعاناةَ {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} .
لا تعذلِ المشتاقَ في أشواقِه ... حتى يكونَ حشاكَ في أحشائِه
لقد رأيتُ دواوينَ لشعراءَ ولكنها باردةً لا حياةَ فيها، ولا روح لأنهمْ قالوها بلا عَناء، ونظموها في رخاء، فجاءتْ قطعاً من الثلجِ وكتلاً من الطينِ.
ورأيتُ مصنَّفاتٍ في الوعظِ لا تهزُّ في السامعِ شعرةً، ولا تحرِّكُ في المُنْصِتِ ذرَّةً، لأنهم يقولونَها بلا حُرْقةٍ ولا لوعةٍ، ولا ألمٍ ولا معاناةٍ، {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} .
فإذا أردتَ أن تؤثِّر بكلامِك أو بشعْرِك، فاحترقْ به أنت قَبْلُ، وتأثَّرْ به وذقْه وتفاعلْ مَعَهُ، وسوفَ ترى أنك تؤثِّر في الناس، {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} .