وهذه الحالةُ ينبغي أن يتلمَّحها الولدُ عند غضب الوالدِ، والزوجةُ عند غضبِ الزوج، فتتركه يشفى بما يقولُ، ولا تعوِّلْ على ذلك، فسيعودُ نادماً معتذراً، ومتى قُوبل على حالته ومقالتِه صارتِ العداوةُ متمكِّنةً، وجازى في الإفاقةِ على ما فُعِل في حقِّه وقت السُّكْرِ.
وأكثرُ الناسِ على غيْرِ هذا الطريقِ، متى رأوا غضبان قابلُوه بما يقولُ ويعملُ، وهذا على غيْرُ مقتضى الحكمةِ، بل الحِكمةُ ما ذكرتُ، وما يعقلُها إلا العالمون» .
حبُّ الانتقامِ سُمُّ زُعاف في النفوسِ الهائجةِ
في كتاب «المصلوبون في التاريخ» قصصٌ وحكاياتٌ لبعضِ أهل البطشِ الذين أنزلوا بخصومهم أشدَّ العقوباتِ وأقسى المُثلات، ثم لما قتلوهم ما شفى لهم القتلُ غليلاً، ولا أبرد لهم عليلاً، حتى صلبوهُم على الخُشُب، والعَجَبُ أن المصلوب بعد قتلِهِ لا يتألَّم ولا يُحِسُّ ولا يتعذبُ، لأن روحه فارقتْ جسمه، ولكن الحيَّ القاتل يأنسُ ويرتاحُ، ويُسرُّ بزيادةِ التنكيلِ. إن هذه النفوس المتلمِّظة على خصومِها المضطرمةَ على أعدائِها لن تهدأ أبداً ولن تسعد، لأن نار الانتقامِ وبركان التشفِّي يدمِّرُهم قبل خصومِهِمْ.
وأعجبُ من هذا أن بعض خلفاءِ بني العباس فاته أن يقتل خصومه من بني أمية، لأنهم ماتُوا قبل أن يتولَّى، فأخرجهم من قبورهم وبعضُهم رميمٌ فجلدهم، ثم صلبهم، ثم أحرقهم. إنها ثورةُ الحقدِ العارمِ الذي يُنهي على المسرَّاتِ وعلى مباهجِ النفسِ واستقرارِها.