لا ينبغي أنْ يزهد فيهِ - أي الأخ- لخُلُقٍ أو خُلُقَيْن ينكرُهما منهُ، إذا رضي سائر أخلاقِه، وحمِد أكثرَ شِيمِه، لأنَّ اليسير مغفورٌ، والكمال مُعوزٌ، وقدْ قال الكِنْديُّ: كيف تريدُ منْ صديقِك خُلُقاً واحداً، وهو ذو طبائع أربعٍ. مع أنَّ نفْس الإنسانِ التي هي أخصُّ النفوسِ به، ومدبَّرةٌ باختيارِه وإرادتِه، لا تُعطيه قيِادها في كلِّ ما يريدُ، ولا تُجيبُه إلى طاعتِه في كلِّ ما يجبُ، فكيف بنفسِ غيرِه؟! {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ} ، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} .
وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه، وقدْ قال أبو الدرداءِ - رضي الله عنه -: مُعاتبَةُ الأخِ خَيْرٌ منْ فقْدِه، منْ لك بأخيك كلِّه؟! فأخذ الشعراءُ هذا المعنى، فقال أبو العتاهية:
أَأُخيَّ منْ لك مِن بني الد ... نيا بكلِّ أخيك منْ لكْ
فاسْتبْقِ بعضك لا يَمَلُّـ ... ـك كلُّ منْ لم تُعْطِ كُلَّكْ
وقال أبو تمامٍ الطائيُّ:
ما غبن المغبون مِثْلُ عقْلِهِ ... منْ لك يوماً بأخيك كُلِّهِ