للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إشاراتٌ في طريقِ الباحِثِين

للسعادةِ والفلاحِ علاماتٌ تلوحُ، وإشاراتٌ تظهرُ، وهي شهودٌ على رقيِّ صاحبها، ونجاحِ حامِلها، وفلاحِ منِ اتَّصف بها.

فمنْ علاماتِ السعادةِ والفلاحِ: أنَّ العبد كلَّما زاد وزُنه ونفاستُه، غاص في قاعِ البحارِ، فهو يعلمُ أنَّ العلم موهبةٌ راسخةٌ يمتحِنُ اللهُ بها منْ شاء، فإنْ أحْسَنَ شُكَرَها، وأحسن في قبُولِهِ، رَفعهُ به درجاتٍ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} . وكلَّما زِيد في عملهِ، زيد في خوفِهِ وحَذَرِه، فهو لا يأمنُ عثرة القدمِ، وزلَّة اللسانِ، وتقلُّب القلبِ، فهو في مُحاسبةٍ ومُراقبةٍ كالطائرِ الحذِر، كلَّما وقع على شجرةٍ تركها لأخرى، يخافُ مهارة القنَّاص، وطائشة الرصاصِ. وكلَّما زيد في عمرِه، نقص من حِرْصِهِ ويعلمُ علم اليقينِ أنَّهُ قدِ اقترب من المنتهى، وقطع المرحلة، وأشرف على وادي اليقين. وهو كلَّما زِيد في مالِه، زيد في سخائِه وبذْلهِ؛ لأنَّ المال عاريةٌ، والواهب ممتحنٌ، ومناسباتِ الإمكانِ فُرصٌ، والموت بالمرصادِ. وهو كلَّما زيد في قدْرِه وجاهِه، زيد في قُربِه من الناسِ وقضاءِ حوائجِهم والتَّواضُعِ لهم؛ لأنَّ العباد عيالُ الله، وأحبُّهم إلى اللهِ أنفعُهم لعيالِه.

وعلاماتُ الشقاوةِ: أنَّ كلَّما زيد في علمِهِ، زيد في كِبْره وتيههِ، فعلْمُه غيرُ نافعٍ، وقلبُه خاوٍ، وطبيعتُه ثخينةٌ، وطينتُه سِباخٌ وعْرةٌ. وهو كَّلما زيد في عملِه، زِيد في فخْره واحتقارِه للناس، وحُسْنِ ظنَّه بنفسهِ. فهو الناجي وحده، والباقون هلْكى، وهو الضامنُ جواز المفازةِ، والآخرون على شفا

<<  <   >  >>