وأعدلُ الشواهدِ بمحبَّةِ الله جلَّ ذِكْرُه، لتمسُّكِ عبدِه برحابهِ، وانتظارُ الرَّوحِ منْ ظلِّهِ ومآبِه، أنَّ الإنسان لا يأتيه الفَرَجَ، ولا تُدركُه النجاةُ، إلا بعد إخفاقِ أملهِ في كلِّ ما كان يتوجِّه نحوه بأملِه ورغبتِه، وعند انغلاقِ مطالبِهِ، وعَجْزِ حيلتِه، وتناهي ضَرِّهِ ومحنتِه، ليكون ذلك باعثاً له على صَرْفِ رجائِهِ أبداً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وزاجراً له على تجاوز حُسْنِ ظنِّه به {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} .
يُدركُ الصَّبُورُ أحْمَدَ الأمورِ
رُوِي عنْ عبدِالله بنِ مسعودٍ: الفَرَجُ والروحُ في اليقيِن والرضا، والهمُّ والحزنُ في الشَّكِّ والسخطِ.
وكان يقولُ: الصَّبُورُ، يُدركُ أحْمد الأمورِ.
قال أبانُ بنُ تغلب: سمعتُ أعربيّاً يقولُ: منْ أفْضلِ آداب الرجالِ أنهُ إذا نزلتْ بأحدِهمْ جائحةٌ استعمل الصبر عليها، وألهم نفْسه الرجاء لزوالِها، حتى كأنه لصبرِه يعاينُ الخلاص منها والعناء، توكُّلاً على اللهِ عزَّ وجلَّ، وحُسْنِ ظنٍّ به، فمتى لزِم هذه الصفة، لم يلبثْ أن يقضي اللهُ حاجته، ويُزيل كُربيه، ويُنجح طِلْبتهُ، ومعهُ دينُه وعِرضُه ومروءتُه.
روى الأصمعيُّ عنْ أعرابيٍّ أنه قال: خفِ الشَّرّ منْ موضعِ الخيْرِ، وارجُ الخيْرَ منْ موضعِ الشَّرِّ، فرُبَّ حياةٍ سببُها طلبُ الموتِ، وموتٍ سببُه طلبُ الحياةِ، وأكْثَرُ ما يأتي الأمنُ من ناحيِة الخوْفِ.
وإذا العنايةُ لاحظتْك عيونُها ... نَمْ فالحوادِثُ كلُّهُنَّ أمانُ