مما يشرحُ الصَّدْرَ، ويزيحُ سُحُب الهمِّ والغمِّ، السَّفَرُ في الديارِ، وقَطْعُ القفارِ، والتقلبُ في الأرضِ الواسعةِ، والنظرُ في كتابِ الكونِ المفتوحِ لتشاهد أقلام القدرةِ وهي تكتبُ على صفحاتِ الوجودِ آياتِ الجمالِ، لترى حدائق ذات بهجةٍ، ورياضاً أنيقةً وجناتٍ ألفاً، اخرجْ من بيتكَ وتأملْ ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصْعَدِ الجبال، اهبطِ الأودية، تسلّقِ الأشجارَ، عُبَّ من الماءِ النميرِ، ضعْ أنفك على أغصانِ الياسمين، حينها تجدُ روحك حرةً طليقةً، كالطائرِ الغرّيدِ تسبحِّ في فضاءِ السعادةِ، اخرجْ من بيتِك، ألقِ الغطاء الأسودَ عن عينيك، ثم سرْ في فجاجِ اللهِ الواسعةِ ذاكراً مسبحاً.
إنَّ الانزواء في الغرفةِ الضيّقةِ مع الفراغِ القاتل طريقٌ ناجحٌ للانتحارِ، وليستْ غرفتك هي العالمُ، ولست أنت كلَّ الناسِ فَلِمَ الاستسلامُ أمام كتائبِ الأحزان؟ ألا فاهتفْ ببصرِك وسمعِك وقلبِكَ:{انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً} ، تعال لتقرأ القرآن هنا بين الجداولِ والخمائِل، بَيْنَ الطيورِ وهي تتلو خُطَبَ الحبِّ، وبَيْنَ الماءِ وهو يروي قصة وصولهِ من التلِّ.
إن التَّرحْالَ في مساربِ الأرض متعةٌ يوصِي بها الأطباءُ لمن ثَقُلَتْ عليه نفسُهُ، وأظلمتْ عليهِ غرفتهُ الضيقةُ، فهيَّا بنا نسافْر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبّر {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} .