وللرضا ثمراتٌ إيمانيةٌ كثيرةٌ وافرةٌ تنتجُ عنه، يرتفعُ بها الراضي إلى أعلى المنازلِ، فيُصبحُ راسخاً في يقيِنه، ثابتاً في اعتقادِه، وصادقاً في أقوالِه وأعمالِه وأحوالِه.
فتمامُ عبوديِّتِه في جَرَيانِ ما يكرهُهُ من الأحكام عليه. ولو لم يجْرِ عليه منها إلاَّ ما يحبُّ، لكان أبْعَد شيءٍ عنْ عبوديَّة ربِّه، فلا تتمُّ له عبوديَّة. من الصَّبرِ والتَّوكلِ والرِّضا والتضرُّعِ والافتقارِ والذُّلِّ والخضوعِ وغَيْرِها - إلاَّ بجريانِ القدرِ له بما يكرهُ، وليس الشأنُ في الرضا بالقضاءِ الملائم للطبيعةِ، إنما الشأنُ في القضاءِ المُؤْلِمِ المنافِرِ للطَّبْعِ. فليس للعبدِ أنْ يتحكَّم في قضاءِ اللهِ وقدرِه، فيرضى بما شاء ويرفضُ ما شاء، فإنَّ البشر ما كان لهمِ الخِيَرَةُ، بلْ الخيرةُ اللهِ، فهو أعْلمُ وأحْكمُ وأجلُّ وأعلى، لأنه عالمُ الغيبِ المطَّلِعُ على السرائرِ، العالمُ بالعواقبِ المحيطُ بها.
رضاً برضا:
ولْيَعْلم أنَّ رضاه عن ربِّه سبحانهُ وتعالى في جميعِ الحالاتِ، يُثمِرُ رضا ربُه عنه، فإذا رضي عنه بالقليلِ من الرِّزقِ، رضي ربُّه عنه بالقليلِ من العملِ، وإذا رضي عنه في جميع الحالاتِ، واستوتْ عندهُ، وجدهُ أسْرَعَ شيءٍ إلى رضاهُ إذا ترضَّاه وتملَّقه؛ ولذلك انظرْ للمُخلصيِن مع قِلَّةِ عملهِم، كيف رضي اللهُ سعيهم لأنهمْ رضُوا عنهُ ورضي عنهمْ، بخلافِ المنافقين، فإنَّ الله ردَّ عملهم قليلهُ وكثيرهُ؛ لأنهمِ سخِطُوا ما أنزلَ الله وكرهُوا رضوانهُ، فأحبط أعمالهم.