وهذه الوقائعُ والأحداثُ لا ينكرُها إلا مكابرٌ، وإلا ففي سُننِ اللهِ في خلقِهِ ما يشهدُ بمثل هذا، ولولا طولُ المقامِ لأوردْتُ عشراتِ القصصِ الصحيحةِ الثابتةِ في هذا الباب، لكنْ يكفيك دلالةً من هذا الحديث، لتعلم أن هناك ربّا لطيفاً حكيماً لا تغيبُ عنه غائبةٌ. إن علم الله يلاحقُ الناس، ولطفه سبحانه وتعالى وشهوده واطلاعه:{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} .
كفى باللهِ وكيلاً وشهيداً
ذكر البخاريُّ في صحيحهِ: أن رجلاً من بني إسرائيل طلب من رجلٍ أن يُقرضه ألف دينارٍ، قال: هل لك شاهدٌ؟ قال: ما معي شاهدٌ إلا اللهُ. قال: كفى بالله شهيداً. قال: هل معك وكيلٌ؟ قال: ما معي وكيل إلا اللهُ. قال: كفى بالله وكيلاًً. ثم أعطاه ألف دينار، وذهب الرجل وكان بينهما موعدٌ وأجلٌ مسمَّى، وبينهما نهرٌ في تلك الديارِ، فلما حان الموعدُ أتى صاحبُ الدنانيرِ ليعيدها لصاحبِها الأولِ، فوقف على شاطئ النهرِ، يريدُ قارباً يركبُه إليه، فما وجد شيئاً، وأتى الليلُ وبقي وقتاً طويلاً، فلم يجدْ من يحملُه، فقال: اللهمَّ إنه سألني شهيداً فما وجدتُ إلا أنت، وسألني كفيلاً فما وجدتُ إلا أنت، اللهمّ بلِّغْه هذه الرسالة. ثم أخذ خشبةً فنقرها وأدخل الدنانير فيها، وكتب فيها رسالةً، ثم أخذ الخشبة ورماها في النهرِ، فذهبتْ بإذنِ الله، وبلطفِ اللهِ، وبعنايةِ اللهِ سبحانه وتعالى، وخرج ذاك الرجلُ