أقبل راكبٌ يحثُّ السير، يثورُ الغبارُ منْ على رأسِهِ، يريدُ سعد بن أبي وقَّاصٍ، وقدْ ضرب سعدٌ خيمتهُ في كبِدِ الصحراءِ، بعيداً عنِ الضجيجِ، بعيداً عنِ اهتماماتِ الدَّهْماءِ، منفرداً بنفسِهِ وأهلِهِ في خيمتِهِ، معهُ قطيعٌ من الغنمِ، فاقترب الراكبُ فإذا هو ابنُه عُمَرُ، فقال ابنُه له: يا أبتاهُ، الناسُ يتنازعون الملك وأنت ترعى غنمك. قال: أعوذُ باللهِ منْ شرِّك، إني أولى بالخلافةِ منِّي بهذا الرداءِ الذي عليَّ، ولكن سمعتُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:((إنَّ الله يحبُّ العبد الغنيَّ التَّقيَّ الخفيَّ)) .
إن سلامة المسلمِ بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر؛ لأنَّ الدين هو الذي يبقى معك حتى تستقرَّ في جناتِ النعيمِ، وأما الملكُ والمنصبُ فإنَّهُ زائلٌ لا محالة {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} .
إليهِ يصعدُ الكلِمُ الطَّيَّبُ
كان للصحابةِ كنوزٌ من الكلماتِ المباركاتِ الطَّيِّباتِ، التي عَّمهم إياها صفوةُ الخلْقِ - صلى الله عليه وسلم -.
وكلُّ كلمةٍ عند أحدِهم خيرٌ من الدنيا وما فيها، ومِنْ عظمتِهمْ معرفتُهم بقيمةِ الأشياءِ ومقاديرِ الأمورِ.
أبو بكرٍ يسألُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُعلِّمه دعاءً، فقال له:((قلْ: ربِّ إني ظلمتُ نفسي ظُلماً كثيراً، ولا يغفرُ الذنوب غلا أنت، فاغفرْ لي مغفرةً منْ عندِك وارحمني، إنك أنت الغفورُ الرحيمُ)) .