ميَّز اللهُ أُولي العزمِ بالهِممِ {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} . وآدمُ ليس من أُولي العَزْمِ، لأنه {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} ، وكذلك أبناؤه، فهي شِنْشِنَةٌ نعرفُها مِنْ أخْزمِ، ومنْ يُشابِه أباه فما ظلَمَ، لكن لا تقْتدِ به في الذنبِ، وتُخالِفْه في التوبةِ. واللهُ المستعانُ.
ليستْ حياتُنا الدنيا فحسْب
سعادةُ الآخرةِ مرهونةٌ بسعادةِ الدنيا، وحقٌّ على العاقِل أن يعلم أنَّ هذه الحياة متَّصلة بتلك، وأنها حياة واحدةُ، الغيب والشهادةُ، والدنيا والآخرة، واليومُ وغدٌ. وظنَّ بعضُهم أنَّ حياته هنا فحسْب، فجمع فأوعى، وتشبَّث بالبقاءِ، وتعلَّق بحياةِ الفناء، ثم مات ومآرُبه وطموحاتُه ومشاغلُه في صدرِه.
نروحُ ونغدو لحاجاتِنا ... وحاجةُ منْ عاش لا تنقضي
تموت مع المرِ حاجاتهُ ... وتبْقى له حاجةٌ ما بقِي
أشاب الصغير وأفني الكبيـ ... ـرُّ الغداةِ ومرُّ العشِي
إذا ليلةٌ أهرمت يومها ... أتى بعد ذلك يومٌ فتِي
وعجبتُ لنفسي والناسِ من حولي: آمالٌ بعيدةٌ، وأحلامٌ مديدةٌ وطموحاتٌ عارمةٌ، ونوايا في البقاءِ، وتطلَّعاتٌ مُذهلةٌ، ثم يذهبُ الواحدُ منّا ولا يُشاورُ أو يُخبرُ أو يُخبَّرُ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} .