للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضريبةُ الكلامِ الخلاَّبِ

إنّ سعادتنا تكملُ في قيامِنا بواجبنا مع خالقِنا، ثم مع خلْقِه، مع اللهِ ثم مع الإنسانِ. إن الكلام سهلٌ نطقُه وتجبيرُه وزخرفتُه، لكن الأصعب من ذلك صياغتُه في مُثُلٍ عليا من الصفاتِ الحميدةِ والأعمالِ الجليلةِ {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} .

إنَّ الآمر بالمعروفِ التارك له، والناهي عن المنكرِ الفاعل له، يُوضعُ - كما في الحديث الصحيح - يوم القيامةِ في النارِ، فيدورُ بأمعائِه كما يدورُ الحمارُ برحاهُ، فيسأله أهلُ النارِ عن سرِّ هلاِكه، فقال: كنتُ آمرُكم بالمعروفِ ولا آتيهِ، وأنهاكُم عن المنكرِ وآتيةِ.

يا أيُّها الرجلُ المعلِّمُ غَيرهُ ... هلاَّ لنفسِك كان ذا التعليمُ

وقف الوعظُ الشهيرُ أبو معاذ الرازي فبكى وأبكى الناس، ثم قال:

وغيرُ نقيِّ يأمرُ الناس بالتقى ... طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليلٌ

كان بعضُ السلفِ إذا أراد أن يأمر الناس بالصدقةِ، تصدَّق هو أولاً، ثم أمرهم، فاستجابُوا طواعيةً.

وقرأتُ أن واعظاً في عهدِ القرونِ المفضَّلةِ، أراد أن يأمر الناس بالعِتْقِ، وقد طلب منه كثيرٌ من الرقيق أن يسأل الناس ذلك، فجمع نقوداً في وقتٍ طويل ثم أعتق رقبةً، ثم أمَّ فأمرَ بالعِتْق، فاقتدى الناسُ وأعتقُوا رقاباً كثيرة.

<<  <   >  >>