للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعزَّ بالمنكوبين

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى} .

وممَّنْ نُكِب نكبةً داميةً ساحقةً ماحقةً: البرامكةُ، أُسرةُ الأُسرةُ الأُبَّهةِ والتَّرَفِ والبذْلِ والسَّخاءِ، وأصبحتْ نكْبتُهم عِبرةً وعظةً ومثلاً، فإنَّ هارون الرشيد سطا عليهمْ بيْن عشيَّةٍ وضُحاها، وكانوا في النعيمِ غافلين، وفي لحافِ الرَّغدِ دافِئين، وفي بستانِ الترفِ مُنعَّين، فجاءهم أمرُ اللهِ ضُحىً وهم يلعبون، على يدِ أقربِ الناسِ إليهم، فخرَّب دُورهم، وهدمَ قصورهُم، وهتك سُتُورهُم، واستلب عبيدهُمْ، وأسال دماءهم، وأوردهم موارد الهالِكين، فَجَرَحَ بمصابِهم قلوب أحبابِهم، وقرَّح بنكالِهم عيون أطفالِهم، فلا إله إلا اللهُ، كم منْ نعمةٍ عليهم سُلبتْ، وكمْ منْ عبرةٍ منْ أجلهِم سُفكتْ، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} . قبل نكبتهم بساعةٍ، كانوا في الحرير يرْفُلون، وعلى الدِّيباجِ يزحفون، وبكأسِ الأماني يترعُون، فيها لهوْلِ ما دهاهُم، ويا لفجيعةِ ما علاهم

هذا المصابُ وإلاَّ غيرُه جللُ ... وهكذا تُمحقُ الأيَّامُ والدُّولُ

اطمأنوا في سِنةٍ من الدهرِ، وأمْنٍ من الحدثان، وغفْلةٍ من الأيامِ {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ} . خفقتْ على رؤوسِهِمُ البنودُ، واصطفَّتْ على جوانِبِهم الجنودُ.

كأنْ لم يكُن بين الحَجُونِ إلى الصفّا ... أنيسٌ ولم يسْمُرْ بمكَّة سامِرُ

<<  <   >  >>