والسُّخطُ بابُ الهمِّ والغمِّ والحزنِ، وشتاتِ القلبِ، وكسفِ البالِ، وسُوءِ الحالِ، والظَّنِّ بالله خلافُ ما هو أهلُه. والرضا يُخلِّصُه منْ ذلك كلِّه، ويفتحُ له باب جنةِ الدنيا قبل الآخرةِ، فإنَّ الارتياح النفسيَّ لا يتمُّ بمُعاكسةِ الأقدارِ ومضادَّة القضاءِ، بل بالتسليمِ والإذعانِ والقبُولِ، لأنَّ مدبِّر الأمرِ حكيمٌ لا يُتَّهمُ في قضائِه وقدرهِ، ولا زلتُ أذكرُ قصة ابن الراونديِّ الفيلسوف الذَّكّيِ الملحدِ، وكان فقيراً، فرأى عاميّاً جاهلاً مع الدُّورِ والقصورِ والأموالِ الطائلةِ، فنظر إلى السماءِ وقال: أنا فيلسوفُ الدنيا وأعيشُ فقيراً، وهذا بليدٌ جاهلٌ ويحيا غنيّاً، وهذه قِسمةٌ ضِيزى. فما زادهُ اللهُ إلا مقْتاً وذُلاّ وضنْكاً {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ} .
فوائدُ الرِّضا:
فالرِّضا يُوجِبُ له الطُّمأنينة، وبرد القلبِ، وسكونهُ وقراره وثباتهُ عند اضطرابِ الشُّبهِ والتباسِ والقضايا وكثْرةِ الواردِ، فيثقُ هذا القلبُ بموعودِ اللهِ وموعودِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويقولُ لسانُ الحالِ:{هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} . والسخطُ يوجبُ اضطراب قلبِه، وريبتهُ وانزعاجهُ، وعَدَمَ قرارِهِ، ومرضهُ وتمزُّقهُ، فيبقى قلِقاً ناقِماً ساخِطاً متمرِّداً، فلسانُ حالِه يقولُ:{مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} . فأصحابُ هذه القلوبِ إن يكُن لهمُ الحقُّ، يأتوا إليه مُذعِنِين، وإن طُولِبوا بالحقِّ إذا همْ يصْدفِون، وإنْ أصابهم خيرٌ اطمأنٌّوا به، وإنْ أصابتهم فتنةٌ