للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتفت إلى الربيع حاجبِ المنصورِ، وقال له: قُلْ لصاحبِك: قدْ مضى منْ بُؤسِنا مُدَّةٌ، ومنْ نعيمِك مِثُلها، والموعدُ اللهُ تعالى!

وقدْ أخذ هذا المعنى العباسُ بنُ الأحنفِ - وقيل: عمارةُ بنُ عقيلٍ - فقال:

فإنْ تلحظي حالي وحالكِ مرَّةً ... بنظرةِ عينٍ عنْ هَوَى النَّفْسِ تُحْجبُ

نجِد كُلَّ مرَّ منْ بُؤسِ عيشتي ... يمُرُّ بيومٍ منْ نعيمكِ يُحْسبُ

كما في (قولٍ على قول) .

والآن: أين هارون الرشيدُ وأين جعفرُ البرمكيُّ؟ أين القاتلُ والمقتولُ؟ أين الآمرُ والمأمورُ؟ أين الذين أصدر أمره وهو على سريرهِ في قصرهِ؟ وأين الذي قتِل وصُلِب؟ لا شيء، أصبحوا كأمسِ الدَّابر، وسوف يجمعُهم الحكمُ العدْلُ ليومِ لا ريب فيه، فلا ظُلْم ولا هضْم، {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} .

قيل ليحيى بن خالدٍ البرمكيِّ: أرأيت هذه النكْبة، هل تدري ما سببُها؟ قال: لعلَّها دعوةُ مظلومٍ، سرتْ في ظلامِ الليلِ ونحنُ عنها غافلون.

ونُكب عبدُالله بنُ معاوية بنِ عبدِاللهِ بنِ جعفر، فقال في حبْسهِ:

خَرَجْنَا من الدنيا ونحنُ مِن أهلِها ... فلسْنا مِن الأمواتِ فيها ولا الأحياء

إذا دخل السَّجانُ يوماً لحاجةٍ ... عجِبْنا وقلنا: جاء هذا من الدُّنيا

<<  <   >  >>