للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومرَّتِ الأيامُ، وإذا ببناتِ ابنِ عبَّادٍ يصِلْنه في السجنِ، حافياتٍ باكياتٍ كسيِفاتٍ جائعاتٍ، فلمَّا رآهنّ بكى عند البابِ، وقال:

فيما مضى كُنت بالأعيادِ مسرورا ... فساءك العيدُ في أغمات مأسورا

ترى بناتِك في الأطمارِ جائعةً ... يغزِلْن للناسِ ما يمْلِكْن قطميرا

بَرَزْنَ نحْوك للتَّسليمِ خاشعةً ... أبصارُهُنَّ حسيراتٍ مَكاسِيرا

يطأْن في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ ... كأنَّها لم تطأ مِسكاً وكافُورا

ثمَّ دخل الشاعرُ ابنُ اللَّبانةِ على ابنِ عبّادٍ، فقال له:

تَنَشَّقْ رياحين السَّلامِ فإنَّما ... أصُبُّ بها مِسْكاً عليك وحَنْتَما

وقُلْ مجازاً إن عدمت حقيقةً ... بأنك ذو نُعمى فقد كُنت مُنعما

بكاك الحيا والريحُ شقَّتْ جُيُوبها ... عليها وتاه الرَّعدُ باسمِك مُعْلِما

وهي قصيدةٌ بديعة، أوْرَدَها الذهبيُّ ومدحها.

روى الترمذيُّ، عن عطاءٍ، عنْ عائشة - رضي اللهُ عنها وأرضاها - أنَّها مرَّتْ بقبرِ أخيها عبدِالله الذي دُفن فيه بمكة، فسلَّمت عليهِ، وقالتْ: يا عبد اللهِ، ما مثلي ومثُلك إلا كما قال مُتمِّمٌ:

وكُنَّا كندْماني جُذيْمَةَ بُرهةً ... من الدهرِ حتى قِيل لنْ يتصدَّعا

وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتُبَّعا

فلمَّا تفرَّقْنا كأنِّي ومالِكاً ... لطُولِ اجتماعٍ لم نبِتْ ليلةً معا

ثمَّ بكتْ وودَّعتْه.

<<  <   >  >>