ظهرِ السيارة نَعشٌ مهيَّأ للأمواتِ، وعلى هذا النعش شراعٌ لوقتِ الحاجةِ، فأمطرتِ السماءُ وسال الماءُ فقام هذا الراكبُ فدخل في النعش وتغطَّى بالشراعِ، وركب آخرُ فصعِد في ظهرِ الشاحنةِ بجانبِ النعشِ، ولا يعلمُ أنَّ في النعشِ أحداً، واستمرَّ نزولُ الغيثِ، وهذا الرجلُ الراكبُ الثاني يظنُّ أنه وحده في ظهر السيارةِ، وفجأةً يْخرج هذا الرجلُ يده من النعشِ، ليرى: هلْ كفَّ الغيثُ أم لا؟ ولما أخرج يده أخذ يلوحُ بها، فأخذ هذا الراكبُ الثانيِ الهلعُ والجزعُ والخوفُ، وظنَّ أن هذا الميت قد عاد حيّاً، فنسي نفسه وسقط من السيارةِ، فوقع على أمِّ رأسهِ فمات.
وهكذا كتب اللهُ أن يكون أجلُ هذا بهذهِ الطريقةِ. وأنْ يكون الموتُ بهذه الوسيلةِ.
وعلى العبدِ أنْ يتذكَّر دائماً أنه يحمِلُ الموت، وأنه يسعى إلى الموتِ، وأنه ينتظرُ الموت صباح مساء، وما أحسن الكلمة الرائقة الرائعة التي قالها عليُّ بنُ أبي طالب - رضي اللهُ عنه - وهو يقولُ:((إن الآخرة قد ارتحلتْ مقبلةً، وإن الدنيا قد ارتحلتْ مُدْبِرة، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عملٌ ولا حسابُ، وغداً حسابٌ ولا عملٌ)) .
وهذا يفيدُنا أنَّ على الإنسان أن يتهيَّأ وأن يتجهزَّ وأن يُصلح من حالِه، وأن يُجدِّد توبته، وأن يعلم أنه يتعاملُ مع ربِّ كريمٍ قويٍ عظيمٍ لطيفٍ.