بالنفس فَحَسْبُ، ونسيانُ العالمِ وما فيه، واللهُ قدْ وصفَ أعداءَهُ بأنهمْ {أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} ، فكأن هؤلاءِ القاصرينَ يَرَوْن الكَوْنَ في داخلِهم، فلا يفكّرونَ في غيرِهِمْ، ولا يعيشوَن لسواهُمْ، ولا يهتمّونَ للآخرينَ. إنَّ عليَّ وعليكَ أنْ نَتَشَاغَلَ عن أنفسِنَا أحياناً، ونبتعد عن ذواتِنا أزماناً لِنَنْسَى جراحَنا وغمومَنا وأحزانَنا، فنكسبَ أمرْين: إسعادَ أنفسنِا، وإسعادَ الآخرين.
من الأصولِ في فنِّ السرورِ: أن تُلجمَ تفكيرَكَ وتعصمهَ، فلا يتفلَّتُ ولا يهربُ ولا يطيشُ، فإنك إنْ تركتَ تفكيرَكَ وشأنَهُ جَمَحَ وطَفَحَ، وأعادَ عليكَ مَلفَّ الأحزانِ وقرأَ عليكَ كتابَ المآسي منذُ ولدتْكَ أمُّكَ. إنَّ التفكيرَ إذا شردَ أعادَ لك الماضي الجريحَ وجرجَرَ المستقبلَ المخيفَ، فزلزلَ أركانَك، وهزّ كيانَك وأحرقَ مشاعرَك، فاخطمْه بخطامِ التوجُّهِ الجادِّ المركّزِ على العملِ المثمرِ المفيدِ، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} .
ومن الأصول أيضاً في دراسةِ السرورِ: أنْ تُعطيَ الحياةَ قيمتَها، وأنْ تُنزلَهَا منزلتها، فهي لهْوٌ، ولا تستحقُّ منكَ إلا الإعراضَ والصدودَ، لأنها أمُّ الهجْرِ ومُرضِعةُ الفجائعِ، وجالبةُ الكوارثِ، فمَنْ هذه صفتُها كيف يُهتمُّ بها، ويُحزنُ على ما فات منها. صفُوها كَدَرٌ، وبرقُها خُلَّبٌ، ومواعيدُها سرابٌ بقيِعةٍ، مولودُها مفقودٌ، وسيدُها محسودٌ، ومنعَّمُها مهدَّدٌ، وعاشقُها مقتولٌ بسيفِ غَدْرِها.