عبيد الله بن يحيى وهو يُحدِّث ببعض القُطعان، إلى أن حدَّث بحديثٍ ذكر فيه:"لا يُسَجّي المسلم في عرض أخيه"، وكان في المجلس أحمد بن بشر بن الأغبس، وزيد البارد، ومحمد بن أرقم، فبدر ابن أرقم فقال: سبحان الله! هذا لا ينتسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أمر بالتَّسجية والسّتْرة. فخجل الشيخ والتفت إلى ابن الأغبس، فقال: ما تقول يا أبا القاسم؟ فقلت: أنا وإن كنت أَتقدَّمُهما في السِّنِّ فهما يتقدمانني في العلم، ولستُ أتكلم بمحضرهما. فقال لهما عبيد الله: اطلبا للكلمة مخرجًا، دون أن تغيرا خطَّها. فقالا: يمكن أن يكون "لا يَسْحي المسلم في عرض أخيه". قال: وما "يسحي"؟ قالا: يقشِر، يقال: سحوت القرطاس، وسحيت السَّحَاءة، وسَحَتِ المطرةُ الأرضَ. واستشهدا ببيتٍ من الشعر:
أصابَ الأرضَ من نَوْء الثُّريَّا ... بساحيةٍ فأخطأت الطّلالَا
قال المحدِّثُ: فخرجتُ عن المجلس بعدما انفضَّ أهلُه، فلما أتيتُ باب العطارين إذا محمد بن يحيى القلفاط، فقال لي: مِن أين؟ قلتُ: من عند الشيخ أبي مروان. فقال: حفظ الله الشيخ، شيخ المسلمين وابن شيخهم، وسيدهم وابن سيدهم، فهل من خبر فيما هنالك؟ قلتُ: نعم، حدَّث الشيخُ بكذا، فقال عائذًا بالله أن يُنسَب هذا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقلتُ له: بدر ابنُ أرقم قال كذا. فقال: ابن الأرقم لقد ارتقى مرتقًى صعبًا، أَوَقَدْ يتكلَّمُ في مجالس العلماء! فما قال ابن بشر؟ قال: تابعه على مقالته. قال: فما قال زيدٌ؟ قلتُ: قال كذا وكذا. قال: نعم حمار الطاحونة. ثم أطرق عني ساعة ثم قال: ليس كما قالا، والصواب:"لا يشْحَى المسلم في عرض أخيه". قلتُ: وما "يشحَى"؟ قال: يفتح فاه بسبِّه،