يقال: شَحَا الحمارُ فاه بالنهيق. قال: فصابحت المجلس من الغد، فألفيتُ ابن أرقم جالسًا، فقصصتُ له القصةَ، فقال ابن الأغبس: هذا والله الصواب، وصدق أبو عبد الله.
وكان محمد بن يحيى كثير الثَّلْب لأعراض الناس، شديدَ التعرُّض لهم، كثيرَ المهاجاة للأدباء، وكأنه شأنُه التَّهكُّم بالمؤدِّبين، يتطرَّق عليهم، ويتنكَّر لهم، وقد ذكرنا قصَّته مع صالح بن معافى. وكان مع ذلك وسخَ الثيابِ، رَذْلَ الهيئةِ، نَزْرَ المروءةِ.
حدثني أبو العباس الطَّبِيخيُّ قال: لما كثَّر محمدُ بن يحيى بهجاءِ حُرقُوص، وكان سبب هجائه أنَّ حرقوصًا وعده بالخروج معه إلى كرْمٍ له بالجبلِ، فشُغِل عن أن يفِيَ له بما وعده، فلجَّ محمدُ بنُ يحيى في هجاء حُرقوصٍ، فبلغ ذلك والدَ حرقوص، فدارى محمد بن يحيى ولاطفه، واستركبه إلى الكرم، وجنى له منه ما حمله إلى منزله، فلم يرجع محمد بن يحيى عن هجائه، فاستخار اللهَ حرقوصٌ في الفتك به، فتوخَّى وقتًا يخلو فيه محمد بن يحيى في داره، وأعدَّ معه سكينًا، ثم تسوَّر عليه في داره، فلما بصُر به محمدٌ أيقنَ بالشر، واستقبل القبلة ودخل في الصلاة، فأمسك عنه حرقوص، فقال: يا فاسق، واللهِ لولا أنك عذتَ بالله؛ للقيتُ الله بدمائِك؛ فإنك زنديق حلال الدم.
وحرقوص هذا غير صاحب الطبقات، وأنشد بعض الأدباء لمحمد بن يحيى:
يا سائلي عن وزن مُسْحَنْكِك ... مِن آن أَيْنًا وأَنَى يَأْنِي
تقديرُه مِن آنَ "مؤينِّينٌ" ... ومن أنى قولك:"مؤينِّي"
فهكذا تقديره منهما ... ليسَ على ذي بصرٍ يُعْيي
ثم الكسائي وتصغيرُه ... أسهلُ شيءٍ أيها الملقي
تصغيرُهُ لا شكَّ فيه كسـ ... ـلّيٌ فمنْ في مثل ذا يُخطي!