ونظره. فقلتُ: يا أمير المؤمنين، أكثرُ مَن تقدّم منهم بهذه الصفة، ولقد أنشدتُ فيهم:
إن المعلِّم لا يزال مضعَّفًا ... ولو ابتَنى فوقَ السماء بنَاءَ
مَنْ علَّم الصبيانَ أَصْبَوا عقلَه ... حتى بَنِي الخُلَفَاء والأمراءَ
فقال: لله دَرُّك يا بكر! كيف لي بك يا بكرُ! فقلتُ: يا أمير المؤمنين، إن الغُنْم والفوْز في قربك والنظر إليك، ولكنِّي ألفتُ الوَحْدة، وأنستُ بالانفراد، ولي أهل يُوحشني البعد عنهم، ويضرُّهم ذلك، ومطالبة العادة أشدُّ من مطالبة الطباع. فأمر لي بألف دينار وكسوة وطيب، وقال: لا تقطعنا، وإن لم يأتك أمرنا. فقلتُ: سمعًا وطاعةً. وودَّعتُه وانصرفتُ.
قال مروان بن عبد الملك بن مروان: سمعتُ أبا حاتمٍ يقول: كان أبو عثمان المازني مخذولًا في النحو، كان إذا سُئِل فأجاب أخطأ. قال: وسمعتُ أبا حاتمٍ يقولُ: المازنيّ، أيُّ شيء كان يحسن! أو أيُّ شيء كان يُحسِن الرياشيُّ! هل وضعا كتابًا قطّ، أو صنعا شيئًا؟!
الزيادي أبو إسحاق قال: صرتُ إلى أبي عمر الجرميِّ أقرأ عليه كتاب سيبويه، ووافيتُ المازنيَّ يقرأ عليه في الجزاء:"هذا بابُ ما يرتفع بين الجزمين"، فكنا نعجب من حِذْقه وجَودةِ ذِهْنه، وكان قد بَلَغ من أول الكتاب إلى هذا الموضع.
وقال أبو الحسين بن ولَّاد: يعني أن المازني كان قد بلغ على الأخفش إلى هذا الموضع.
وقال ابن الفراء المصري: توفي أبو عثمان المازني سنة تسع وأربعين ومئتين بالبصرة، هكذا ذكر في تاريخه.
قال أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن واضح الكاتب: توفي المازني سنة ست وثلاثين ومئتين، كذا قال في تاريخه الكبير.