للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

-وهي لغة في قومنا- فقلت على القياس: مَكْر، يا أمير المؤمنين، أي بكر. فضحك وقال: اجلس واطمئن. فجلستُ، فسألني عن البيت، فأنشدته:

* أَظُلَيْمُ إنَّ مصابَكُمْ رجلًا *

فقال: أين خبرُ إِنَّ؟ قلتُ: "ظُلْمُ" الحرف الذي في آخر البيت. ثم قلتُ: يا أمير المؤمنين، أما ترى البيتَ كأنه مُعلَّق لا معنى له حتى يتمَّ بهذا الحرف؟ وإذا قال: "أَظُلَيْمُ إنَّ مصابَكُمْ رجلًا أَهدَى السَّلامَ إِليكُم"، فكأنَّه ما قال شيئًا حتى يقول: "ظُلْم"؟ قال صدقتَ؛ ألك ولدٌ؟ قال: قلتُ: بُنيَّةٌ لا غير. قال: فما قالتْ حين ودَّعتَها؟ قلتُ: أنشدتْ شعرَ الأعشى:

تقولُ ابنتي حينَ جدَّ الرحيلُ ... أرانا سواءً ومَن قد يَتِمْ

أَبانا فلا رِمْتَ مِن عِنْدنا ... فإنا بخيْرٍ إذا لم تَرِمْ

أرانا إذا أَضْمَرتْكَ البلا ... د نُجْفَى ويُقْطَعُ منَّا الرَّحِمْ

قال: فما قلتَ لها؟ قلتُ: ما قال جريرٌ:

ثِقي بالله لَيْس له شريكٌ ... ومِنْ عندِ الخليفة بالنَّجاح

فقال: ثقْ بالنجاح إن شاء الله؛ إنَّ هاهنا قومًا يختلفون إلى أولادنا، فامتحِنْهم، فمَنْ كان منهم عالمًا يُنتفع به ألزمناه إيَّاهم، ومَن كان بغير هذه الصفة قطعناه عنهم. ثم أمر فجُمِعوا إليَّ، فامتحنتُهم فما وجدتُ طائلًا، وحذروا ناحيتي. فقلتُ: لا بأسَ على أحدٍ. فلما رجعتُ إليه قال: كيف رأيتَهم؟ قلتُ: يفضُل بعضُهم بعضًا في علومٍ يفضلُ الباقون في غيرِها، وكلٌّ يُحتاجُ إليه.

قال لي الواثقُ: إنِّي خاطبتُ منهم واحدًا، فكان في نهاية الجهل في خطابه

<<  <   >  >>