قال: قرأ المتوكل على الله يومًا، وبحضرته الفتح بن خاقان:{وَمَا يُشعِرُكُم أَنَّها إذا جاءتْ}. فقال له الفتحُ بنُ خاقان: يا سيدي، {إِنَّها إذا جاءتْ} بالكسر. ووقعتِ المُشاجرةُ، فتبايَعا على عشرة آلاف دينارٍ، وتحاكما إلى يزيدَ بن محمدٍ المهلَّبي -وكان صديقًا للمبرد-، فلما وقف يزيد على ذلك خاف أن يَسقُط أحدهما، فقال: والله ما أعرفُ الفرقَ بينهما، وما رأيتُ أعْجَبَ من أن يكون باب أمير المؤمنين يَخْلُو من عالم مُتقدِّم. فقال المتوكل: فليس هاهنا مَن يُسأَلُ عن هذا؟ فقال: ما أعرف أحدًا يتقدم فتًى بالبصرة يعرف بالمبرّد. فقال: ينبغي أن يُشخَص. فنفد الكتاب إلى محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان الهاشمي بأن يُشخِصَه مُكرَّمًا.
فحدثني محمد بن يزيد قال: وردتُ سُرَّ مَن رأى، فأُدخِلتُ على الفتح بن خاقان، فقال لي: يا بصريُّ، كيف تقرأ هذا الحرف:{وما يُشعِرُكم إِنَّها إذا جاءتْ لا يؤمنون} بالكسرِ، أو {أَنَّها إذا جاءتْ} بالفتحِ؟ فقلتُ:{إِنَّها} بالكسرِ، هذا المختار، وذلك أنَّ أوَّلَ الآية:{وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها}، قال:{قل إِنَّما الآيات عند الله وما يشعركم}، ثم قال تبارك وتعالى: يا محمد {إِنَّها إذا جاءت لا يؤمنون}، باستئناف جواب الكلام المتقدم. قال: صدقتَ. وركبَ إلى دار أمير المؤمنين، فعرَّفه بقدومي، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه، وتبايعا فيه، فأمر بإحضاري فحضرتُ، فلما وقعتْ عينُ المتوكل عليَّ قال: يا بصريُّ، كيف تقرأ هذه الآية:{وما يشعركما إِنَّها إذا جاءت} بالكسر، أو {أَنَّها إذا جاءت} بالفتح؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين، أكثر الناس يقرؤُها بالفتح. فضحك، وضرب برجله اليسرى، وقال: أحضِرْ يا فتحُ المالَ. فقال: إنه والله يا سيِّدي قال لي خلافَ ما قال لك. فقال: دَعْني مِن هذا، أَحضِر المالَ. وأُخرِجتُ فلم أصلْ إلى الموضع الذي كنت أُنزِلتُه، حتى أتتني رُسُل الفتح، فأتيتُه، فقال لي: يا بصريُّ، أول ما