من المقلدين وهذا من كمال فضل الله سبحانه على العباد يجب شكره في كل وقت على العباد بهم يهتدون ويرزقون ويمطرون ويرشدون. إلا أن من اشتهرت مذاهبهم ودونت مشاربهم وحققت مسالكم ووضحت دلائلهم وحصل لهم القبول من أرباب العقول في أطراف الأرضين مع مرور الشهور وكرور السنين هم أربعة أبو حنيفة الكوفي ومالك وأحمد والشافعي. وأولهم الأول ويعاصره الثاني وقيل قد روى الأول شيئًا عن الثاني وقيل بل الثاني تلميذ الأول. والثالث تلميذ الرابع. والرابع تلميذ الثاني ولبعض تلامذة الأول. وأما باقي المجتهدين ممن تقدمهم أو تأخرهم فمنهم من لم توجد له الاتباع ولم يكمل به الانتفاع ومنهم من ظهرت له طوائف مقلدة وانتشر مذهبه في الأسفار المدونة لكن قد اندرس ذلك في مدة قليلة ولم يبق له أثر وخبر من أزمنة كثيرة. ومن هاهنا قال من قل لا سبيل إلى السلوك على غير هذه المسالك الأربعة لكنه منازع في ذلك منازعة مبرهنة. ثم إن الناس أكثرهم أخذوا بهذه المذاهب وقال من تبع غيرها من المشارب. فشاع مذهب أحمد في نواحي بغداد وشيوعه دون شيوع باقي المذاهب في البلاد. وشاع مذهب مالك في بلاد المغرب وبعض بلاد الحجاز. وشاع مذهب الشافعي في أكثر بلاد الحجاز واليمن وبعض بلاد الهند وبعض أطراف بلاد الدكن وبعض أطراف خراسان وتوران. وشاع مذهب أبي حنيفة إلى بلاد بعيدة ومدن عديدة كنواحي بغداد ومصر والروم وبلخ وبخارا وسمرقند وأصبهان وشيراز وأذربايجان وجرجان وزنجان وطوس وبسطام واستراباد ومرغينان وفرغانة ودامغان وخوارزم وغزنة وكرمان وأكثر بلاد الهند والسند والدكن وبعض بلاد اليمن وغيرها من الأطراف الشاسعة والأكناف الواسعة. وكلهم نشروا علوم أئمتهم إملاء وتدريسًا وتصنيفًا وتأليفًا. ولا يزال هذا الانتظام إلى أن يظهر المجتهد المطلق آخر أئمة الحق الإمام المهتدي محمد ابن عبد الله المهدى ويزل عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام فيبطل في زمنهما الاتباع والتقليد ويظهر حكمهما بطريق الأخذ من الكتاب والسنة والاستنباط من مشكاة النبوة على الرأي السديد. نص عليه جماعة من المحققين ومؤيدى الدين المتين في دفاترهم وأسفارهم كان حجر العسقلاني والجلال السيوطي ومحمد بن عبد الرسول البرزنجي وعلى القارى والشيخ محيي الدين بن عربي. وأما قول بعض المجهولين والمتعصبين أن عيسى والمهدى يقلدان الإمام أبا حنيفة ولا يخالفانه في شيء من طريقه فهو من الأقوال السخيفة نص عليه أرباب الشريعة والحقيقة بل هو رجم بالغيب بلا شك ولا ريب (واعلم) أن مقلدة الأئمة الأربعة اشتهروا بالانتساب إلى حضرات مقلديهم العلية كالحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية ليحصل التمييز بينهم ويفترق أحدهم عن ثانيهم وفي الحقيقة كل طائفة منهم محمدية فإن تقليدهم أئمتهم والسلوك على مسلكهم سلوك على طريق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واغتراف من ذلك المنبع الأعظم فمن استنكف عن هذه النسب الشهيرة وجعلها مخالفة للشريعة فقد خبط خبط عشواء وركب متن عمياء وجَهل وجهَّل وضل وأضل (واعلم) أنهم قسموا أصحابنا الحنفية على ست طبقات. الأولى طبقة المجتهدين في المذهب