للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يستحقون أجرة المثل؛ كما في المسألة السابقة، ولأنه تعين عليهم الجهاد من جهتين: من جهة حضورهم ميدان المعركة، ومن جهة استنفار الإمام لهم قال - صلى الله عليه وسلم -: «وإذا استنفرتم فانفروا» (١)، فلا يعطون إلا من الغنائم أو الرَّزق أو النَّفَل أو من العطايا أو من الزكاة أو الجعائل أو غيرها.

وهذا هو الراجح -والله أعلم-

وأما كونهم خرجوا كارهين، فالكره هنا علة غير مؤثرة في الحكم؛ لأن الجهادَ والقتالَ كرهُه طَبعي وجبلي: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (٢)، لا سيما مع قوة العدو: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} (٣)، قال القرطبي: " {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} كراهة للقاء القوم" (٤)، فلا يبعد أن يخرج ثلة منهم مكرهين، فيعامَلون كغيرهم، ولا يستحقون سهمًا أكثر من غيرهم؛ بل إن من خرج في سبيل الله ممتثلًا لأمره خيرٌ ممن أُكره على الغزو، فمن خرج طائعًا أولى بالزيادة والعطاء ممن خرج مكرهًا متثاقلًا متبرمًا، فقد ذم الله تعالى التثاقل عند نداء الجهاد {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٥)، والله أعلم.

* * *


(١) رواه البخاري في صحيح، كتاب الجهاد والسير، باب وجوب النفير، رقم (٢٨٢٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد، رقم (١٣٥٣) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) سورة البقرة: ٢١٦.
(٣) سورة الأنفال: ٥، ٦.
(٤) تفسير القرطبي (٧/ ٣٦٩)
(٥) سورة التوبة: ٣٨، ٣٩.

<<  <   >  >>