للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية: إن عفا المبذِّر عن الدية.

التبذير يستعمل في المشهور بمعنى الإسراف، والتحقيق: أن بينهما فرقًا؛ وهو أن الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، بخلاف التبذير: صرفه فيما لا ينبغي (١).

وقال الماوردي: "السرف: هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير: هو الجهل بمواقع الحقوق. وكلاهما مذموم، وذم التبذير أعظم؛ لأن المسرف يخطئ في الزيادة، والمبذر يخطئ في الجهل" (٢).

وذهب بعض الفقهاء إلى أنه ليس من الإسراف صرف المال إلى وجوه الخيرات (٣)، ومن رشيق كلام بعض المتقدمين: "لا خير في السرف ولا سرف في الخير" (٤).

ويرى بعض الفقهاء أن الإسراف كما يكون في الشر، يكون في الخير، فمن الإسراف


(١) الكواكب الدراري (٢/ ١٦٩)، فيض القدير (١/ ٥١)، حاشية ابن (٦/ ٧٥٩ - ٧٦٠).
(٢) أدب الدنيا والدين (ص: ١٨٧).
(٣) انظر: نهاية المطلب (٦/ ٤٣٨)، الوسيط في المذهب (٤/ ٣٩)، تفسير القرطبي (٧/ ١١٠)، مفاتيح الغيب (١٣/ ١٦٥).
(٤) نهاية المطلب (٦/ ٤٣٨).
وقيل لحاتم الطائي: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير. وجاء عن بعض الشافعية أنها من قول الحسن بن سهل. وأعدها بعضهم من بلاغات الزمخشري، والذي في الكشاف نسبه إلى مجاهد، ولفظ مجاهد عند غير الزمخشري: "لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبًا في طاعة الله ما كان سرفًا، ولو أنفقت صاعًا في معصية الله كان سرفًا". وقد ناقش هذه المقالة القرطبي في تفسيره.
ونسب بعض الشافعية إلى سفيان الثوري أنه قال: الحلال لا يحتمل السرف.
انظر: تفسير ابن أبى حاتم (٥/ ١٤٦٥)، جامع البيان - تفسير الطبري (١٩/ ٢٩٩)، الكشاف (٢/ ٦٦١)، تفسير القرطبي (٧/ ١١٠)، مفاتيح الغيب (١٣/ ١٦٥)، مغني المحتاج (١/ ٣٩٣)، حاشية إعانة الطالبين (٤/ ٧٠).

<<  <   >  >>