للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الأولى: لو حُكم على زان بالجلد، وكان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه، أو كان ضعيفًا بالخلقة لا يحتمل السياط، هل يجلد؟ وإن جلدها كيف يجلد؟

أجمع أهل العلم على أن المجلود في حد الزنا والقذف يجلد بالسوط (١).

فإن كان المرض مما يرجى برؤه، يؤخَّر جَلْده حتى يبرأ عند الثلاثة ورواية عند أحمد خلافًا للمشهور عند الحنابلة (٢).

وإن كان المرض مما لا يرجى برؤه، أو كان الجاني ضعيفًا بالخلقة لا يحتمل السياط فهذا يقام عليه الحد في الحال ولا يؤخر.

وهل يجلد وإن جُلد كيف يُجلد؟

اختلف العلماء - رحمهم الله - على قولين:

القول الأول: يقام عليه الحد ولا يؤخر، ويضرب بسوط يؤمن معه التلف كالقضيب الصغير، وشمراخ النخل، فإن خيف عليه من ذلك جمع ضغثًا (٣) فيه مائة شمراخ فضرب به


(١) انظر: المغني (٩/ ١٦٨)، تفسير القرطبي (١٢/ ١٦١)، الإقناع في مسائل الإجماع (٢/ ٢٤٧).

وقد خالف ذلك الإمام ابن حزم - رحمه الله - فقال: "فالواجب أن يضرب الحد في الزنى والقذف بما يكون الضرب به على هذه الصفة، بسوط، أو بحبل من شعر، أو من كتان، أو من قنب، أو صوف، أو حلفاء، وغير ذلك، أو تفر، أو قضيب من خيزران؛ أو غيره، إلا الخمر، فإن الجلد فيها على ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجريد، والنعال، والأيدي، وبطرف الثوب، كل ذلك، أي ذلك رأي الحاكم فهو حسن، ولا يمتنع عندنا أن يجلد في الخمر أيضا بسوط لا يكسر، ولا يجرح، ولا يعفن لحما ... وأما استدلاهم بالآثار فليس في شيء منها: أن لا تجلد الحدود إلا بسوط هذه صفته، وإنما فيه: أن الحدود جائز أن يضرب بسوط هذه صفته فقط، وهذا أمر لا نأباه - فسقط تعلقهم بالآثار المذكورة" المحلى بالآثار (١٢/ ٨٥ - ٨٦).
(٢) انظر: البحر الرائق (٥/ ١١)، المهذب (٣/ ٣٤٣)، المغني (٩/ ١٦٨)، شرح المنتهى الإرادات (٣/ ٣٣٨).
(٣) والضغث: الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو نحو ذلك. والمعنى: أنه يأخذ حزمة فيها مائة عود، فيضربها بها ضربة واحدة، فيخرج بذلك من يمينه. أضواء البيان (٤/ ٢٤٠).

<<  <   >  >>