للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالضرورة العادية (١) عَجز جميعِ المخلوقين - من الجن والإنس أجمعين - عن الإتيان بمثله، أو سورةٍ من مثلِهِ. وما أوضحَ قولَه تعالى في ذلك: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣].

وإن نظرتَ فيما اشتمل عليه، من المنع عن المفاسد، والأمر بالمصالح، والأخبار الصادقة، والأحكام العادلة، علمتَ بالبرهان - إن كنتَ مِنْ عارفيه -، وبالقرآن - إن كنت مِنْ متدبِّريه - صِدْقَ قولِ من أنزله سبحانه: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٠ - ٢١٢].

وقد جمع سبحانه في هذه الآية الشريفة - لمن تأمَّلها -: بينَ الوجوه الثلاثة المتقدمة، فأشار إلى الأول، وهو العجز عن مثله، بقوله: ﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [الشعراء: ٢١١]، وإلى الثاني، وهو جهلُهُم بالغيب الذي فيه، بقوله: ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٢]، وإلى الثالث، وهو أنَّهُ لا يصدر منهم ما فيه الإرشاد إلى الخير، والمنع عن الشر، بقوله: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ﴾ [الشعراء: ٢١١]» (٢).

وذكر أئمَّة أهل السنة أن أحق ما صُرفت إلى علمه العناية، وبلغت في معرفته الغاية، ما كان لله في العلم به رضا، وللعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، وأنَّ أجمع ذلك لباغيه، كتاب الله الذي لا ريب فيه، وتنزيله الذي لا مرية فيه، الفائز بجزيل الذخر وسنى الأجر تاليه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد (٣).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨) في أهمية الاهتمام بالقرآن، وفهم معانيه: «وأما في (باب فهم القرآن) فهو دائم التفكر في معانيه، والتدبر لألفاظه، واستغنائه بمعاني القرآن وحكمه عن غيره من كلام الناس، وإذا سمع


(١) لعل الأفصح: المعتادة.
(٢) العواصم والقواصم: (١/ ٢٠٣ - ٢٠٤).
(٣) جامع البيان، للطبري: (١/ ٧).

<<  <   >  >>