للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مميز، وبالاعتراف الفوري بالعجز عن الإتيان بمثله، وهو الوجه الأقرب منالًا لسائر البلغاء من البدو.

على أنه من الصحيح أيضًا أن هؤلاء المفسرين، وهم ينظرون في محتوى القرآن، قد رأوا في اتساع وعمق المعرفة التي يحملها للإنسانية، دليلًا في ذاته على خصائصه التي تتجاوز طاقة البشر، وأن التعارض بين توجيه بعض الآيات، كآية ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧] مثلًا، والمشاعر الشخصية للرسول ، لشهادة لا تُرَدُّ على استقلالية القرآن عن النبي.

فهل يمكن أن يقال إن هذه النتائج المستخلصة من قبل أجدادنا، تجعل كل محاولة لتفسير جديد عديمة الجدوى؟

هل يقال إن واجبنا يتحدد من الآن فصاعدًا، بتدوين هذه النتائج الجاهزة، وبالنظر إليها كأنها الكلمة الأخيرة حول حقيقة الأشياء؟

كلا، ثم كلا.

إذ أنه بقدر ما تتطور معارفنا حول الطبيعة والنفس الإنسانية، وكلما اكتسبنا سببًا جديدًا يحملنا على أن نرى الأشياء من زاوية مختلفة، فإن ذلك يدعونا إلى أن نضع المشكلات حين ندرسها بما يتفق وهذا الجديد من واقع العلم.

والمسألة القرآنية لا ينبغي لها أن تخرج عن هذه القاعدة.

فإذا كان صحيحًا أن القرآن معجزة مستمرة، وإذا كانت علائم صدقه من ناحية أخرى لا تنحصر في عبارته فحسب، بل في عالمي الطبيعة والنفس أيضًا كما يقول القرآن نفسه ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣].

إذا كان الأمر كذلك فإن واجبًا يقع على كل مؤمن متصل بمعطيات العلم.

إنه التقريب بين جانبي روحه: بين معتقده وعلمه، حين يواجه النصوص المنزلة، لا أقول بفرضيات العلماء التي لم تتحقق أو التي لا تقبل التحقيق، ولكن

<<  <   >  >>