به .. أيداعب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولداً، ويزور خادماً، ويمشي مع جارية في حاجتها، وهو الرسول العظيم، والقائد الكبير، والسلطان المهيب.
ذلكم هو التأديب الذي أدبه الله عز وجل، ووعظه به قائلاً:
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الحجر: ٨٨].
وحذره من مغبة الكبر، والجفاء مع المدعوين، فقال له:{وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ .. } الآية. [الأنعام: ٥٢]
ولما اجتهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسألة عبد الله بن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه فعبس في وجهه، جاءه التأديب الرباني {عَبَسَ وَتَوَلّىَ* أَن جَآءَهُ الأعْمَىَ ... }. (١)[عبس: ١، ٢]
فهل عاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - بعد ذلك - الأعمى، وهل وجد عليه .. أو اتخذ منه موقفاً .. إلا موقف الإكرام والمحبة ..
وانظر -يا رعاك الله- إلى هذا التواضع، والمخالطة، وماكان لهما من أثر عظيم في نفوس أصحابه، صدقاً، وتربية، وعملاً، جعلتهم خير أمة أخرجت للناس.
(١) عاب بعض الدعاة على من يقرأ هذه السورة، لأن فيها عتاباً للرسول - صلى الله عليه وسلم - مدعياً أن هذا العتاب من الله له، ولا ينبغي أن يكون منا له - صلى الله عليه وسلم - .. ولا شك أن قائل هذا غلبت عاطفته على علمه، وكان منه حكماً بغير دليل .. كيف وقد سطرها الله في كتابه إلى يوم يبعثون، كيف وقد قال تعالى: ((واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك ... )) وسورة: ((عبس)) مما أوحي إلى رسولنا .. لقد غفل هذا المسكين عن أن في هذا العتاب درساً تربوياً عظيماً .. وأننا معشر أهل السنة والجماعة كلما قرأنا هذه السورة ازددنا حباً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وازددنا إجلالاً له .. وإذا كان هذا الداعية - الذي عاب على من قرأ هذه السورة - يجد في نفسه على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو يرى في قراءتها منقصة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهذا شأنه .. هداه الله إلى معرفة الدليل .. وعدم القول على الله بغير علم.