ففي قوله - صلى الله عليه وسلم - ((دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً)) تهدئة لنفسية المطالب الثائرة، إذ أحس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقِرُّ له بحقه ... ولما سمع بقضائه جملاً أفضل من جمله، انطفأت ثورته تماما وهدأ، ف - صلى الله عليه وسلم - ما أطيبه عِشْرَة.
ولو أردنا أن نتتبع تصرفات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجوبته، لطال بنا المقام عن المقصود.
ومن أجمل ما يُروى في حُسْن الجواب عن بعض الحكماء: أن خليفة رأى في المنام: أن أسنانه وأضراسَه كلَّها سقطت، فسأل مُعبِّراً، فقال له: يا أمير المؤمنين: كل أهلك وأقربائك يموتون قبلك. فحزن الخليفة حزناً شديداً .. فسأل مُعبِّراً آخر: فقال المعبِّر: يا أمير المؤمنين هون عليك ... إن تأويل الرؤيا:((أنك أطول أهلك عمراً))، فسُر الخليفة، وفرج عنه.
والمتأمل للجوابَيْن: يجدهما بمعنى واحد، غير أن الأول: لم يكن حكيماً في جوابه، مع صوابه .. والثاني: كان حكيماً في جوابه، وانظر - يا رعاك الله- الأثر.
وبهذا يتبين: أن المقصودَ من هذا الباب: حكمةُ الجواب، والتلطفُ بالخطاب، وليس المقصودُ أن يقول الباطل، ويُداهن فيه، ولكن يمكن للداعية أن يتحلى بشيء من الحكمة والرَوِيَّة، والتفكير بعواقب الأمور، ليقول الحق، بقالب مقبول، وعبارة مسموعة، وعلى الله قصد السبيل.