للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانظر إلى هذا الجواب الحكيم، وكيف صرف رسول الله السائل عما لا ينفعه إلى ما ينفعه .. دون أن يشعر السائل.

فلو قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا أعلم متى يوم القيامة، فلربما وقع في نفس الأعرابي ما وقع، ولربما قال ما قال .. لقرب عهده بالجاهلية، أو لجهله.

فكان من الحكمة صرف الأعرابي عن سؤاله الذي لا ينفعه جوابه، إلى جواب ينفعه في دينه وآخرته، وينفع الأمة من بعده، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((وما أعددتَ لها؟ ؟ )).

فانصرف الأعرابي عن سؤاله .. وانشغل بما ينفعه عما لا ينفعه. فصلى الله وسلم عليه ما أحسنه من معلم! !

ولما بال الأعرابي في المسجد، وهمّ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - به، ومنعهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، قال له - صلى الله عليه وسلم -: ((لقد تحجرتَ واسعاً)) (١) بدل أن يقول له: ((لقد قلت باطلاً)). فما أعظمه - صلى الله عليه وسلم - من مربٍّ! ؟

ولما طالبه أحدهم بقضاء الدين فأغلظ، فَهَمَّ به أصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوه فإن لصاحب الحقِّ مقالاً)) ثم قال: ((أعطوه سِنّاً مثل سِنِّه، قالوا: يا رسول الله لا نجد إلا أمثل من سِنِّه، فقال: أعطوه .. فإن من خيركم أحسنكم قضاء)). (٢)


(١) رواه أحمد (٢/ ٢٣٩)، وأبو داود (٣٨٠)، والترمذي (١٤٧)، ((والحديث عند البخاري (٦٠١٠) دون قصة البول)). ومعنى تحجرت واسعا: أي ضيقت رحمة الله الواسعة.
(٢) رواه البخاري (٢٣٠٦)، ومسلم (١٦٠١).

<<  <   >  >>