للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام: فخطابه لكسرى المجوسي، لم يكن كخطابه للنجاشي من أهل الكتاب، ورسائله أشهر من أن تسطر هاهنا. (١)

ومن أجمل ما يسطر هاهنا؛ مفارقة خطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين من في قلبه إيمان، وبين من خوي قلبه من الإيمان، وكان ذلك بين مادية سراقة، وإيمان عمر رضي الله عنهما:

لما تبع سراقةُ بن مالك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ساعة الهجرة إلى المدينة ليقبض مكافأة قريش ... فلما أدرك سراقةُ النبي طلب منه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعمي عنه، وله مكافأة مالية هي أقرب إلى الخيال -يومئذ- منها إلى الحقيقة .. قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كأني بك قد لبست سواري كسرى)). (٢)

ودخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أثّرت الحصير في جنبه فبكى عمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يبكيك؟ )) فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله! ! !

فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة)). (٣)

فجواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأول لسراقة، اختلف اختلافاً كبيراً عن جوابه لعمر .. فالأول كان وعداً بالدنيا .. والآخر وعداً بالآخرة .. فلماذا اختلف الخطاب؟ ! ولماذا لم يقل لسراقة ستُسْلم وستكون لك الجنة ...


(١) راجع السيرة لابن هشام (٤/ ٣٣٠ وما بعدها)، وزاد المعاد لابن القيم (٣/ ٦٨٨ وما بعدها).
(٢) أورده ابن حجر في الإصابة (٣/ ٤١)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/ ٣٥٧، ٣٥٨).
(٣) رواه البخاري (٤٩١٣)، ومسلم (١٤٧٩).

<<  <   >  >>