للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو أن داعية أتى قوماً من المسلمين، قد تفشى فيهم الشرك، وكثر فيهم الابتداع .. وهو إن أتى ببعض المسنونات في الصلاة أو غيرها، اتهم بتهمة لا يقبل منه - بعدها - قول، ولا ينصت له في نصيحة.

فعليه - والحال هذه - ترك هذه المسنونات، أو تأخير الواجب المطلق، مادام في الأمر سعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب، بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين، أعظم من مصلحة مثل هذا، كما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيير بناء البيت، لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر، ثم صلى خلفه متماً، وقال الخلاف شر)) (١)


(١) مجموع الفتاوى (٢٢/ ٤٠٧)، وخلاصة قصة ابن مسعود مع عثمان رضي الله عنهما أن عثمان لما حج رأى أنه مقيم في منى، وقد قيل إنه تزوج فيها، فرأى أن يتم الصلاة ولا يقصرها، لأنه صار في حكم المقيم .. فأنكر عليه بعض الصحابة فعله هذا، ومنهم ابن مسعود .. ثم لما قام عثمان يصلي أربعاً قام وراءه ابن مسعود والصحابة جميعاً يصلون أربعاً، فقيل لابن مسعود: كيف أنكرت ثم صليت وراءه أربعاً، فقال رضي الله عنهم جميعاً: ((الخلاف شر)) إن في هذا لعبرة لكل داعية.
دُعيتُ إلى مسجد في دولة غربية لإلقاء محاضرة، ففوجئت بوجود نصف المصلين في الخارج ونصفهم يصلي جماعة .. وكان مشهداً منكراً .. فلما سألت عن السبب فقالوا: إن المصلين يجمعون المغرب والعشاء بسبب قصر الليل .. والذين لا يصلون لا يريدون الجمع، وينتظرون حضور المحاضرة، فكان الجواب: يجب عليكم أن تصلوا وراءهم .. بنية النفل حتى لا يتفرق المسلمون، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الرجلين اللذين جاءا إلى المسجد ولم يصليا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهما صليا في رحالهما، أن يصليا مع الجماعة ويحسبونها نافلة. أخرجه أبو داود (٥٧٥)، الترمذي (٢١٩) ففعل الإخوة ذلك، وعادت لجماعة المسجد وحدتهم، وسُرّ الجميع بذلك .. فاللهم زدنا فقهاً وحكمة.

<<  <   >  >>