وذلك لأجل الاختلاط بهم، ومتابعة تصرفاتهم، ولتصحيح ما كان منها خطأ، وإقرار ما كان منها صواباً {رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ ... } الآية [البقرة: ١٢٩]
فالتزكية - التي تعني في عُرفنا التربية -: هي تطهير القلوب، وتسديد الأقوال، وإصلاح الأعمال، وتدريب المدعوين على ذلك عملياً.
وكذلك لم يكتف الله تعالى لهداية الناس بإنزال الكتب، إذ كان الله قادرًا على أن يُنّزَل في كل بيت صحفاً تتلى، أو كتاباً بالصوت ينطق .. وأن يريح الأنبياء من العناء، والرسل من الابتلاء، ولكن العملية التربوية إذ ذاك لن تحصل، لأن التربية لا تكون إلا بمرب يَتتبَّع، وبمدرب يُدرب، وبموجه يُصحح، وبأب يَحنُو، وبشيخ يَعطف، ولا تكون إلا في تجارب تُصوَّب أو تُخَطِّأ .. هكذا كانت حياة الأنبياء بين أقوامهم .. وبخاصة رسولنا الكريم محمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً، كان يربي أصحابه بكل ما في هذه الكلمة من معنى، حتى أخرج الله على يده - صلى الله عليه وسلم - جيلاً أصبح قدوة للعباد، ومنارات في البلاد {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... } الآية [الفتح: ٢٩]