إن مَثَل بعض الناشئة اليوم، كمثل رجل أراد أن يتعلم السباحة. فطالع لذلك الكتب الكثيرة، وحفظها غيباً، وقتلها فهماً، ووسعها هضماً .. ثم قال في نفسه: إن السباحة أصبحت أمرًا هينًا بعدما قرأتُ عنها ما قرأتُ .. وفهمتُ ما فهمت .. ، حتى إذا ما جاء اليم ألقى نفسه فيه، وهو واثق من نفسه، مستحضر لطريقتها، حافظ لقواعدها .. مستغنٍ عن المدرب، فغاب في جوف الماء ولم يعد.
أو كمن أراد أن يتعلم قيادة مركبة، فقرأ لها وحفظ، وأتقن ذلك نظرياً، حتى إذا ما استلم مقود المركبة معتمداً على نفسه، مستغنياً عن المدرب، معتداً بتحضيره. فما كان منه إلا أن آذى العباد ونفسه وأهله.
وهكذا كان من بعض ناشئة الصحوة في بعض بقاع المسلمين، حَضَروا دروساً .. أو سمعوا أشرطة .. أو قرؤوا كتباً .. ثم قاموا إلى الدعوة .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم إلى الجهاد زعموا .. (١).
ثم .. كان ما كان مما نحن نذكره .. فقل خيراً ولا تسأل عن الخبر.
إن معظم مظاهر سوء تصرف بعض الناشئة، وبخاصة في مقام الدعوة إلى الله، مرجعه إلى فقدان التربية .. فحري بالعلماء، وجدير بالدعاة، أن يعطوا هذا الأمر حقه، كي نقي الناشئة شر الانحراف، والبلاد والعباد شر الفساد.
(١) ١ ليس هذا يعني أن لا جهاد، ولا أن كل من قام به لم يكن محقاً .. بل الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، إنما المقصود من هذا: أن لا جهاد قبل العلم والتربية إلا في حال الدفع، وبالشروط الشرعية المعروفة عند أهل العلم.