أربعةُ مذاهبَ كان لها الصيتُ الذائِعُ في الأقطارِ، واجتمع عليها طُلَّابُ الفقهِ مِن جميعِ الأمصارِ، وتَعارَفَ الناسُ على أنَّ مَن أراد مَعرفةَ الأحكامِ الفقهيةِ فإنَّه يَحسُنُ به أن يَنتظِمَ أولاً في واحِدٍ تلك المذاهبِ الفقهيةِ المعروفةِ، التي قام أصحابُها بنظمِ مسائلِ الفقهِ في كتبٍ وأبوابٍ وفصولٍ، ووضعوا للاستدلالِ أصولَه وللاستنباطِ قَواعِدَه، وضَمُّوا النِّظيرَ إلى نظيرِه، وذَكروا الحكمَ بدليلِه، وصار لكلِّ مذهبٍ مِن هذه المذاهبِ كُتبٌ نفيسةٌ، منها الموسَّعُ ومنها المختصَرُ، ولكلِّ كتابٍ منها مَشرَبُه وطريقتُهُ، والله يُبارِكُ لمن يَشاءُ مِن عِبادِه فيما يُؤلِّفُ وفيما يُعلِّمُ وفيها يَعمَلُ.
وإنِّ مِن هؤلاء الأعلامِ العلماءِ، والمؤلفين الفقهاءِ: العلَّامةُ مَنصورُ بنُ يونسَ البَهُوتي رحمه الله، مُحقِّقُ مَذهَبِ الحنابلةِ عندَ المتأخرين بلا مُنازِعٍ، وعُمدَةُ الفقهاءِ العارفين بلا مدافِعٍ، رَحمَهُ اللهُ رحمةً واسعةً.
وإنِّ اللهَ جلَّ في عُلاه لا يَزالُ يُبارِكُ في علومِ الشيخِ مَنصورٍ البهوتي مِن خِلالِ ما كَتَبه من كُتُبٍ مباركةٍ، حتى صار جملةٌ مِن متأخري الحنابلةِ يُعوِّلون علىها في معرفةِ المذهبِ ودليلِه، ولا نَحسَبُ ذلك إلا بإخلاصٍ لامَسَ قلبَه، وجدٍّ واجتهادٍ فاقَ به كثيراً ممن أتى بعدَه أو كان قبلَه، ولا نُزكي على اللهِ أحداً، واللهُ لا يُضيعُ أجرَ مَن أحسنَ عَملاً.