للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو عُبَيدٍ: وأما قولُهُ: ما لم تصطبحوا، أو تغتبقوا فإنّهُ يقول: إنّما لكم منها الصبوحُ (١) وهو الغداءُ. والغَبُوق (٢) وهو العِشاءُ، يقولُ: فليس لكم أن تَجْمَعُوْهَا في المَيتَةِ قال: ومن ذلك حديثُ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ (٣) "أنّهُ يُخْرِجُ من الاضطرارِ أو الضارورة صبوح أو غبوق" (٤) وهذا كله قولُ أبي عُبَيدٍ. وقد تَدَبَّرْت ما حكاهُ في "تحتفئوا"، فَرَأَيتُهُ غَلَطًا مِمَّنْ فَسَّرَهُ؛ لأنّهُ قال: ما لم تحتفئوا بها بقلًا.

وقال المُفَسِّرُ: هو من الحَفَأ، وهو أَصْلُ البَرْدِيِّ يُريدُ ما لم تقتلعوا ذلك بعينِه، فتأكلوه. ولو كان أرادَ ما ذهب إليه لقالَ: ما لم تحتفئوا أي ما لم تقتلعوا الحَفَأَ، ولم يقل تحتفئوا بَقْلًا، فَذِكْرُهُ للبقلِ دَليلٌ على أن المفعولَ المقلوعَ هو البقلُ.

وأما قولُ الآخرِ: ما لم تجتفئوا بالجيم يريد: تقتلعواه ثم ترموا به من قولك: جَفَأْتُ الرجلَ إذا صرعتَهُ، وضربتَ به الأرضَ. جفأت ليس من قلعت في شيء، إنما هو ضربت بالشيء الأرض، ولم يكونوا يَقْلَعونَ البَقْلَ ليضربوا به الأرضَ


(١) الصبوح: ما أكلَ أو شرب غدْوة، وهو خلاف الغبوق. وفي حديث الميتة: معناه إنما لكم منها الصبوح، وهو الغداء، والغبوق، وهو العشاء يقول: فليس لكم أن تجمعوها من الميتة. وقال غير أبي عبيد: معناه لما سئل متى تحل لنا الميتة؟ أجابهم فقال: إذا لم تجدوا من اللبن صبوحًا تتبلغون به، ولا غبوقًا تجتزئون به، ولم تجدوا مع عدمكم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها، ويَهْجَأْ غرثكم حلت لكم الميتة حينئذ. وكذلك الرجل إذا وجد غداء أو عشاء من الطعام لم تحل له الميتة. اللسان (صبح).
(٢) الغبوق: شرب آخر النهار مقابل الصبوح. وفي الحديث: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا، وهو تفتعلوا من الغبوق. اللسان (غبق).
(٣) هو سَمُرَةُ بن جُنْدَب بن هلال الفزاري: صحابي، من الشجعان القادة. نشأ في المدينة. ونزل بالبصرة، مات بالكوفة وقيل بالبصرة في سنة ٦٠ هـ. الإِصابة ترجمة رقم ٣٤٦٨، والأعلام ٣/ ١٣٩.
(٤) في اللسان (ضرر): "وفي حديث سمرة: يجزي من الضارورة صبوح أو غبوق. الضارورة: لغة في الضرورة أي إنما يحل للمضطر من الميتة أن يأكل منها ما يسد الرمق غداء أو عشاءة وليس له أن يجمع بينهما".

<<  <   >  >>