للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

° ذكرت أنّ بعضَ حَمَلَةِ الفِقْهِ قِبَلَكَ أنْكَرَ ما ذكرتَهُ من معرفةِ الراسخينَ في العلمِ بتأويلِ متشابهِ القُرْآنِ. وإنما تَمامُ الكلامِ عِنْدَ قولِهِ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (١) قلتَ: وقالَ: كيف يَصِحُّ هذا القولُ، والكتابُ يَنْطِقُ بالذَّمِّ لمن ابتغى تأويلَ المُتَشابه، وهو قولُ الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (٢) فأخبر أن في الكتاب نوعين: محكمًا، ومتشابهًا، ثم قال على إِثْرِ ذلكَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (٣) فزجر الجميعَ عن اتباعِ المُتَشابِهِ لابتغاءِ تأويلِهِ ودلَّ بقولِهِ: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} أن {ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} لا يُفِيدُ إلا الفِتْنَةَ. هذا فَصْلٌ من كتابِك والجوابُ عنه (٤):

• أما قولُكَ: إن الكتابَ يَنْطِقُ بِذَمِّ من ابتغى تأويلَ المُتشابِه، فليس كذلك، وإنما ذمّ اللهُ من ابتغى تأويله من اليهودِ أو من المنافقينَ الذينَ في قلوبِهم زَيغٌ أي انحرافٌ عن الإسلام، فَهُمْ يبتغونَ تأويلَهُ بغيرِ مُرادِ اللهِ فيه ليَفْتِنُوا به النَّاسَ، فيَسْتَزِلُّوهُمْ عن الإسلام، لأنّ المتشابِهَ يحتملُ التأويلاتِ المختلفَةَ، والمُحْكَمُ لا يحتملُ ذلك، فالمذمومونَ من مُبْتَغي تأويلِهِ هم هؤلاءِ الذين سلكُوا فيه سبيلَ الإضلالِ والفِتْنَةِ بالتَّحْريف، وأمّا المُبْتَغي تأويلَهُ لِيَعْلَمَهُ ويُعَلِّمَهُ وَيرْشُدُ بِهِ فغيرُ مذمومٍ (٥). وأشْبَهُ الأشياءِ بهذِهِ الآيةِ قولُهُ في سورةِ البقرةِ: {إِنَّ اللَّهَ لَا


(١) سورة آل عمران الآية ٧.
(٢) الآية ٧ من سورة آل عمران.
(٣) الآية ٧ من سورة آل عمران.
(٤) في الأصل عليه والصواب عنه.
(٥) انظر القرطبي ٤/ ٩ - ١٩.

<<  <   >  >>