للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قولِ الله جَلَّ وعزَّ: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} (١) يَعْلمونَهُ، ويقولونَ آمنّا بِهِ (٢). وأمَّا قولُكَ: لولا أنّ الأمْرَ كما ذَكَرْنا لَمَا اقرُّوا ابنَ عبّاسٍ على قراءَتِه، ولَمَا رَضُوا بِه، وبينَ القراءتينِ عندَ العَوامِّ من تبايُنِ المعنى ما وَصَفْتُهُ فإنّا، لم نقلْ: إنّ النّاسَ جميعًا تَأوَّلُوا هذه الآيةَ على ما تَأوَّلْناهُ فيها فَيَلْزَمُنا ما ذكرتَ، ولكنَّا نقولُ: إنّهم اختلفوا، فذهبَ قومٌ إلى أنّ تأويلَكَ على الظاهر، وتَأَوَّلَ قومٌ تَأويلَنا، فالذي سمِعَ قراءةَ ابنِ عبّاسٍ هذه، وإنْ كانت تَصحُّ ظَنَّ أَنَّ قولَ الله: {لا يعلمه إِلَّا اللَّهُ (٣) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فلم ينازِعُوه في قراءتِه، وسَلَّمُوا له، والاختلافُ في القراءاتِ بين ابنِ مسعودٍ، وأبيٍّ (٤)، وزيدٍ (٥)، وعليٍّ، وليسَ لنا أن نستعملَ إلّا ما ثَبَتَ في مِصْحَفِنَا، لأنَّهُ آخِرُ العَرْض، ولأنّ الذي جمعه بين اللَّوْحينِ أرادَ جمعَنا عليه، وألا نتفرقَ، ونَخْتَلِفَ. وفي هذا كلامٌ يَطولُ، وَيكْثُرُ. وقد أَوْدَعْتُ كتابي المُؤَلَّفَ في مُشْكِلِ القرآنِ طَرَفًا منه (٦).


= القراء والمفسرين. أخذ التفسير عن ابن عباس قرأه عليه ثلاث مرات يقف عند كل آية يسأله: فيم نزلت وكيف كانت؟ وتنقل في الأسفار واستقر في الكوفة، ويقال: إنه مات وهو ساجد سنة ١٠٤ هـ. السير ٤/ ٤٤٩، والأعلام ٥/ ٢٧٨.
(١) سورة آل عمران الآية ٧.
(٢) تفسير القرطبي ٤/ ١٦ - ١٩.
(٣) هكذا في الأصل، والآية: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧].
(٤) هو أبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد، من بني النجار، من الخزرج، أبو المنذر: صحابي أنصاري. كان قبل الإسلام حبرًا من أحبار اليهود، مطلعًا على الكتب القديمة. مات بالمدينة سنة ٢١ هـ. السير ١/ ٣٨٩، والأعلام ١/ ٨٢.
(٥) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي، أبو خارجة: صحابي، من أكابرهم كان كاتب الوحي ولد بالمدينة ونشأ بمكة وتعلم وتفقه بالدين. توفي في سنة ٤٥ هـ. السير ٢/ ٤٢٦.
(٦) انظر تفسير مشكل القرآن لابن قتيبة ص ١٧ - ٧٢.

<<  <   >  >>