للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأَسْرَعُ من الرِّيحِ (١) أي قد بَلَغَ في البُعْد، والسُّرْعَةِ الغايَةَ، وليس ذلك كَذِبًا لأَنَّ السامعَ يَعْرِفُ مَذْهَبَ القائل فيه، ولأنّ العربَ جميعًا متواطِئُون على ذلك. وإذا كان الكلامُ استفهامًا فيه تَقْريرٌ جاز، فيقالُ: العافيةُ خيرٌ أم السُّقْمُ؟ الإِطلاق خَيرُ أم الحَبْسُ؟ تُريدُ أَنْ تَرْدَعَ المخاطَبَ عما يُعْقِبُهُ السُّقْمُ، وعما يُؤَدِّيهِ إلى الحَبْسِ.

وكذلك قولُ اللهِ جلّ وعزّ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} (٢)؟ أراد أن يقررهم بخلقِهِ لهم، ويُفْهِمَهُمْ أنَّ مَنْ خَلَقَ السماءَ على عِظَمِها قادِرٌ على أن يَخْلُقَ ما دونَها، وقد يجوزُ للرجلِ إذا كان منتقلًا من (٣) حالِ شِدَّةٍ إلى حالِ رَخاءٍ، ومن (٤) حالِ مَسْكَنَةٍ إلى حالِ سَعَةٍ أنْ يقولَ: هذا الذي نحنُ فيه خَيرٌ مما كُنّا عليه، ولا خَيرَ في الأمرِ الأَوَّلِ يُريدُ بذلك أن يُحَدِّثِ بنعمةِ اللهِ عليه، ومن هذا قولُ عَدِيِّ بنِ زَيدٍ (٥)، وَذَكَر الخمرَ، والشفاهَ:

والمشرف الهنديّ نُسْقَى به ... أَخْضَرَ مَطْموثًا بماءِ الخَريصْ

والربربُ المكفوف أردانُهُ ... يمشي رُويدًا كَتَوَحِّي الرّهيصْ

ذلِكَ خَيرٌ من فُيُوجٍ على الـ ... بابِ وقَيدَينِ وغلٍّ قَرُوصْ (٦)


(١) انظر الدرة الفاخرة ١/ ٢١٧، و ٢/ ٤٤١، وانظر المسألة (٤٠) فيما سلف ص ١٤٥.
(٢) سورة النازعات الآية ٢٧.
(٣) في الأصل: "على"، والصواب "من" كما أثبتناها.
(٤) في الأصل "عن"، والصواب "من" كما أثبتناها.
(٥) هو عدي بن زيد بن حمّاد بن زيد العِبادي التميمي: شاعر، من دهاة الجاهليين. كان قرويًا، من أهل الحيرة، فصيحًا، يحسن العربية والفارسية والرمي بالنشاب، ويلعب لعب العجم بالصوالجة على الخيل. وهو أول من كتب العربية في ديوان كسرى، اتخذه في خاصته وجعله ترجمانًا بينه وبين العرب. قُتل في سجنه بالحيرة نحو سنة ٣٥ ق هـ. الأعلام ٤/ ٢٢٠.
(٦) الأبيات الثلاثة لعدي بن زيد انظر ديوانه ص ٧١، والشعر والشعراء ١/ ٢٣٠ - ٢٣١، وانظر شرح الأبيات فيه.

<<  <   >  >>