للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولياءَ من دونِكَ، ومن اتخذ عدو رجلٍ وليًّا له فقد اتخذه وليًّا من دونه. ولا شك (١) أن لهذا المعنى قَرَأَ بعضُ القُرّاءِ المتَقَدِّمينَ "ما كان ينبغي لنا أن نُتَخَذَ من دونك من أولياء" فجعل الكافرين هم الذين اتخذوا الملائكة أولياء من دون الله (٢). وفي هذه القراءةِ ضعفٌ في اللغة، وإنْ كانت حسنةً في المعنى لدخول مِنْ، وكان الوجه أن نُتَخَذَ من دونك أولياءَ.

والقراءةُ هي الأولى، واعتبارُها قولُه في سورة سبأ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} (٣) أفما ترى الملائكةَ جعلوا اللهَ تبارَكَ وتعالى وليَّهم دونَ الكافرين، كذلك قالوا في الآيةِ الأُوْلى: {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} أي نتخذ الكافرين أولياءَ دونَكَ. ثم قالت الملائكة: {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} يريد أطلتَ لهم وأمهلتَهم، ولم تعجل عقوبتهم حتى نسوا عهدك، وما أمرتهم به في الكتب التي أنزلتها على أنبيائك، وألفوا ما مضى عليه آباؤهم من ذلك, وأنسوا به.

ثم قال الله للكافرين {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} يعني الملائكة بما تقولون، وما تدّعون، فكأنهم ادعوا أن الملائكة دعتهم إلى ذلك، أو زيّنته لهم. أما ترى أنه يقول في الآية الأخرى عن الملائكة: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} يَعْنونَ إبليسَ وحِزْبَهُ من الشياطين، لا نَحْنُ. ثم قال الله للكافرين: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا} وفي الصرف قولان: أحدُهما الحِيلَةُ من قولك: إنّ فلانًا لَيَتَصَرَّفُ كما


(١) في الأصل: "ولا شكا لهذا المعنى"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٢) انظر النشر في القراءات العشر ٢/ ٣٣٣، والمحتسب ٢/ ١٢٠، والقرطبي ١٣/ ١٠.
(٣) سورة سبأ، الآيتان ٤٠ و ٤١.

<<  <   >  >>