للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالثُ الذي معك (١) في المحلّة وإن لم يلاصِقْكَ (٢). وهؤلاء الثلاثةُ الأصنافِ من الجيرانِ هم الذين تقعُ الوصيَّةُ لهم إِذَا قالَ المُوْصِيْ: "كذا وكذا من مالي لجيراني" (٣) فإنْ لم يكنْ من هؤلاء أحدٌ فجيرانُ المَحلَّةِ جيرانُهُ، صاروا جيرانًا (٤) بفقدِ أولئك.

وقد تُحْدَثُ الأسماءُ بعَدَمِ الأشياءِ (٥) وحدوثِها ألا ترى أنّا (٦) نقولُ: أبٌ ما دام الابنُ موجودًا، وابنٌ ما دام الأبُ موجودًا، وفوقُ ما كانَ أسفلُ وأسفلُ ما كان فوقُ وجارٌ ما كان جارٌ. وقد يكونُ الرجلُ قريبَ الدارِ منكَ، ويكونُ آخَرُ أبعدَ مِنْهُ، وإن كان قريبًا منك، فتقولْ: هذا القريب مني، وهذا البعيد مني، فإذا عُدِمَ القريبُ دَعَوْتَ من كنتَ تَدْعوهُ بعيدًا قريبًا لأنّه ليس بينَكَ وبينَهُ أَحَدٌ، فصار قريبًا بفقد من هو أقربُ منه كذلك إِذَا كان (٧) هذا جارًا بِفَقْدِ من كان أدنى إليك منه.

والرابع من الجيرانِ الذي جمعك وإياه بَلَدٌ واحِدٌ؛ يقول اللهُ عزَّ وجلَّ في المنافقينَ: {ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} (٨) يَعْني في المدينةِ: وإنّما يُسَمَّى هذا جارًا في بعضِ الأحوالِ دونَ بعضٍ، وإنْ تُقابلْهُ بمن ليس يَجْمَعُك وإياهُ سَبَبٌ كأنكما (٩) في بلدٍ غريبان، وأنتما من بلدٍ، فتقولُ هذا جاري في


(١) في ط: "الذي كان معك".
(٢) اللسان والتاج (جور).
(٣) انظر القرطبي ٥/ ١٨٣ وما بعد، واللسان والتاج (جور).
(٤) في ط: "جيرانه".
(٥) في ط: "أشياء".
(٦) في ط: "أنّك تقول".
(٧) في ط: "وكذلك صار هذا ... ".
(٨) الآية ٦٠ من سورة الأحزاب. وانظر تفسير القرطبي ١٤/ ٢٤٧.
(٩) في ط: "لأنَّكما".

<<  <   >  >>