الغُلامِ بحكْمِ عالم الملْك والشَّهادَةِ، قالَ له: أقتلْتَ نَفْساً ... الآية، أي: لَا تقْتُلْهُ حتى تَبْلُغَ الزَّمَنَ الذي يَخْرُجُ منه فيهِ الفعلُ ويفعله، وحينَئذ تُعاقبُهُ عليهِ بالقتلِ؛ فهذا حكمُ الشرائعِ المسَطورةِ والأخبارِ المأْثورَةِ، فقال له:(أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، قال له موسى:(إِنْ سَاَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ بعْدَهَا) الآية. وليسَ مُرَاد موسى - عليه السلام - إِنْكَار عِلْم، وإنّمَا هو إِنكارُ اختلاف تباين الأحكَام، إذْ أحكامُ عالم الملَكُوتِ تُبايِنُ أحكامَ عالم الملْكِ والشهادةِ، مِنْ جهةِ الشرْط والمشْروطِ؛ لأنَّ حُكمَ عالم الملكوتِ باللَّهِ لا يُقَامُ في عالم الملْك حتى يبْلُغَ الوقتُ ويظْهَرَ مشْرُوطهُ، فمِنْ هاهُنا كانَ إنكارُه.
وإنما أسسْتُ هذا لك لأُعَرِّفَكَ مِنْ أينَ كانتْ هِمَّةُ يوسف وهمَّةُ زليخَا، وأن الأنبياءَ عليهمُ السلامُ إنما تولّوا إلى الخلْقِ مِنْ دائرَةِ العلمِ والإرادَةِ التي هي عالم الملكوتِ، إلى دائرةِ الملك والشَّهادةِ؛ فهمَّةُ يوسف - عليه السلام - بزليخا إنما كانتْ مِنْ عالَمِ المَلَكوتِ لأنَّه عاينَ في تلكَ الدائرةِ ملْكا له، وبقي الوقتُ المرتبط بعالم الملكِ والشهادةِ الذي لمْ يبْلُغْ وقتَهُ، فعرَضَ له جبريل -الذي هو مِنْ عالَم الملَكوتِ- في صُورةِ والِدِه الذي هو من عالَمِ