وجه نظم هذه مع التي قبلها، ما قرره الأصوليون والجدَلِيُّون، أنّ وجه الترتيب في المناظرة أن يبدأ المستدلُّ بإبطال مذهب الخصم، ثم يصحِّحُ مذهبَه، ثم إنْ كان في مقالة خصمِه تناقضٌ أو تهافتٌ بيَّنَه له؛ وعلى هذا الترتيب أتتْ هذه الآيات؛ أنكَرَ أوّلا على الكفار مُدَّعاهم، مقْرونا ذلك الإنْكارُ بالدّليل الدالِّ على بطلان تلك الدعوى، وهو قولُه (أَم اتَّخَذُوا) الآية؛ ثم ذكَر مُدَّعى المومنين مقرونا بدليل صحّته، فقاَل (قُل للَّهِ الشفَاعَةُ جَميعاً)؛ ثم أكّد دليلَ إبْطال مُدَّعَى الكفار بتناقضهم في دعْواهم فقال (وَإِذَاَ ذُكِرَ اللَّهُ)؛ وبيانُ التناقض أنهم زعموا أن تلكَ الآلهةَ تشْفع لهم عند اللَّه تعالى، والمشفوعُ عنده أعلى رتبةً من الشفيع، فالمناسبُ إذا ذُكر اللَّه وحده أن تطمئن قلوبُهم إليه، فنفورُها عند ذلك مع كونه مشْفوعا له تناقض منهم.