معرض الرد على قول ابن عطية إنه كانَ القُرْآنُ في مدةِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَفَرّقاً في صُدُورِ الرِّجال.
[ج - المكي والمدني]
يميز تعامل البسيلي مع هذا العلم القرآني المنيف، سمات بارزة، منها:
(أ) أنه لا يكتفي بسرد الخلاف في كون السورة أو الآية مكية أو مدنية، بل يحاول اعتمادا على ضوابط علمية أن يرجح نوعها؛ فمن ذلك صنيعُه مُفْتَتَح سورة الأنفال، حيث قال:"الزمخشري: مدنية. ابن عطية: إلا قوله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بكَ الذِينَ كَفرُوا).
قال شيخنا: سببُ القولين أنها ليلة خروجه - صلى الله عليه وسلم - مهاجرا إلى مكة، فَمَنْ رأى أن اسمَ الهجرةِ إنما يصدُقُ بعد استقرارِه - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قال: هي مكية، ومَنْ جَعَلَه مِنْ حِينِ خروجِه قال: مدنية".
مثال آخر عند سورة الرعد، حيث قال:"نقل ابن عطية هلْ هذهِ السورةُ مكيةٌ أوْ مدنيةٌ؟. والأرجح أنها مدنية؛ لأنه إذا تعارض التقدم والتأخر، عمل على المتأخر لاستلزامه المتقدم".
(ب) أنه لا يسلم باطّرادِ الأقوال بمكيةِ أو مدنيةِ السورة وقد يردُّها، اعتمادا على قرينة راجحة أو ضابط علمي مختص:
مثاله أنه رد قول ابن عطية في سورة القصص إنها مكية إلا قوله:(إِنَّ الذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّك إلَى مَعَادٍ)، لأنها نزلت بالجُحْفة، في وقت هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة. ورأى فيه نظرا لقولهم: ما نزل قبل الهجرة مكي وإن نزل بغير مكة. وما نزل بعد الهجرة مدني وإن لم ينزل بالمدينة؛ ولذا قال الزمخشري هي مكية، ولم يستثنِ.